للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم صنّف بعد ذلك قوم برعوا في علوم، فكان كل منهم يقتصر في تفسيره على الفن الذي يغلب عليه:

فالنحوي تراه ليس له همّ إلا الإعراب، وتكثير الأوجه المحتملة فيه، ونقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافياته، كالزجّاج، والواحدي في «البسيط»، وأبي حيّان في «البحر» و «النهر».

والأخباري ليس له شغل إلا القصص واستيفاءها والإخبار عمّن سلف، سواء كانت صحيحة أو باطلة، كالثعلبي.

والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه من باب الطهارة إلى أمهات الأولاد، وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا تعلق لها بالآية، والجواب عن أدلة المخالفين، كالقرطبي.

وصاحب العلوم العقلية، خصوصا فخر الدين، قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبهها، وخرج من شيء إلى شيء، حتى يقضي الناظر فيه العجب من عدم مطابقة المورد للآية، قال أبو حيان في «البحر» (١): جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير، ولذلك قال بعض العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير.

والمبتدع ليس له قصد إلا تحريف الآيات وتسويتها على مذهبه الفاسد، بحيث إنه متى لاح له شاردة من بعيد اقتنصها، أو وجد موضعا فيه أدنى مجال سارع إليه ... » (٢).


(١) البحر المحيط ١/ ٣٤١.
(٢) الإتقان ٤/ ٢١٢ - ٢١٣.

<<  <   >  >>