للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الواضحة التي تقوم عليها العقيدة والشريعة والمنهج العلمي للحياة الإسلامية، ويجرون وراء المتشابه الذي يعوّل فيه على الإيمان بصدق مصدره، والتسليم بأنه هو الذي يعلم الحق كله، بينما الإدراك البشري نسبي محدود المجال. وأما الراسخون في العلم الذين بلغ من علمهم أن يعرفوا مجال العقل وطبيعة التفكير البشري وحدود المجال الذي يملك العمل فيه بوسائله الممنوحة لهم، فإنهم يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا (١).

ولا يعني قول العلماء إن من القرآن ما استأثر الله بعلمه أنه ليس له معنى أو حقيقة يدل عليها، وإنما يعني أن الوقوف على حقيقة معناه ليس في طوق البشر «لعدم نظيره عندنا» (٢)، ومن ثم كان السلف يقولون في مثل هذه الآيات: «قراءة الآية تفسيرها» (٣) أي أن القارئ يقف عند الدلالة الظاهرة لألفاظها، من غير تعمق في البحث عن تفصيلات ذلك المعنى.

وهاهنا ثمة ملاحظتان:

الأولى: ذهب بعض العلماء أن التشابه أمر نسبي، فقد يتشابه عند هذا ما لا يتشابه عند غيره، ولكن هناك آيات محكمات لا تشابه فيها على أحد، وهناك آيات متشابهات لا سبيل لأحد للقول في تفسيرها (٤).

الثانية: أن الله تعالى وصف القرآن بالإحكام في قوله: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) [هود]، وإحكامه هنا يعني إتقانه وعدم تطرق النقص والاختلاف إليه، كما أن الله تعالى وصفه بأنه متشابه في قوله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ (٢٣) [الزمر]، والمراد بتشابهه هنا كونه يشبه


(١) ينظر: سيد قطب: في ظلال القرآن ٣/ ٣٦٩.
(٢) ابن تيمية: مجموع الفتاوى ١٣/ ٢٨٠.
(٣) ابن تيمية: مجموع الفتاوى ١٣/ ٢٩٦.
(٤) ابن تيمية: مجموع الفتاوى ١٣/ ١٤٤.

<<  <   >  >>