حقيقة إعجاز القرآن، وإنما هي تعكس تفاوت العلماء في إدراك ذلك الإعجاز، وقد أخبر كل واحد منهم بما عرف، لأن أمر القرآن عجيب «يراه الأديب معجزا، ويراه اللغوي معجزا، ويراه أرباب القانون والتشريع معجزا، ويراه علماء الاقتصاد معجزا، ويراه المربون معجزا، ويراه علماء النفس والمعنيون بالدراسات النفسية معجزا، ويراه علماء الاجتماع معجزا، ويراه المصلحون معجزا، ويراه كل راسخ في علمه معجزا»(١).
كما أن تلك الوجوه يمكن أن تسلك في منهج يزيل ما قد يبدو بينها من تعارض، ويكون كل وجه منها كاشفا عن جانب من أسرار القرآن، أو مقدما الدليل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في ما أخبر به من أنه يتلقى القرآن من لدن حكيم عليم، وتتلخص ملامح هذا المنهج في أمرين:
الأول: تحديد الوجه الذي أعجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن، ومنعهم من الإقدام على معارضته، في عصر النبوة.
الثاني: تحديد ما جاء في القرآن من الأمور التي تدل على أنه لا يمكن أن يكون من عند أحد سوى الله تعالى.
وهذا المنهج ليس جديدا، فقد ورد مضمونه في كلام علم الدين السخاوي (ت ٦٤٣ هـ) الذي كان أول عالم يفرق بين الأمرين السابقين في دراسة الإعجاز فيما اطلعت عليه، وسبق أن ألمحت إلى رأيه. وتحدث الأستاذ محمود محمد شاكر عن ذلك أيضا في (فصل في إعجاز القرآن) وهو تقديم لكتاب (الظاهرة القرآنية)، ودعا إلى التمييز بين أمرين:
الأول: إن إعجاز القرآن كما يدل عليه لفظه وتاريخه إنما هو تحدّ بلفظ القرآن ونظمه وبيانه، لا بشيء خارج عن ذلك.
(١) فاضل صالح السامرائي: التعبير القرآني ص ٢٢، طبع دار عمار/ الأردن.