للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التأريخية، ومن ثم فإن لمعرفة سبب النزول طريق واحد هو النقل الصحيح عن الصحابة الذين عاصروا تنزيل القرآن وشاهدوا الأحداث التي وقعت حينذاك، يقول الواحدي: «ولا يحلّ القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا في علمها، وجدّوا في الطلاب» (١).

وقد جعل العلماء قول الصحابي في سبب النزول حجة ثابتة بمنزلة الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام الحاكم النيسابوري: «فإن الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا فإنه حديث مسند» (٢).

وكان الصحابة، رضي الله عنهم، يذكرون أسباب النزول وينقلونها إلى التابعين، كما روى البخاري عن نافع مولى عبد الله بن عمر أنه قال: «كان ابن عمر، رضي الله عنهما، إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوما (أي: أمسكت المصحف، وهو يقرأ عن ظهر قلب) فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال: تدري فيم أنزلت؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا، ثم مضى» (٣).

والروايات المنقولة في سبب النزول بعضها يصرّح بأن الآية نزلت بسبب كذا، وبعضها يأتي بصيغة أن هذه الآية نزلت في كذا، أي يراد بها كذا. فمن الأول ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أنه قال: «بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث، وهو متّكئ على عسيب، إذ مرّ اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فسألوه، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يردّ عليهم شيئا، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال:


(١) أسباب نزول القرآن ص ٥.
(٢) معرفة علوم الحديث ص ٢٠.
(٣) ابن حجر: فتح الباري ٨/ ١٨٩.

<<  <   >  >>