للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ﴾ (١).

قلت: ولكثرة وقوع الناس من رجال ونساء في السخرية، أفرد -والله أعلم- النساء بالذكر لشدة التوكيد على ذلك، مع أن الأكثر أن الخطاب في القرآن يكون مع الرجال، ويكون النساء تبعا لهم، كما في قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾، ﴿يا أيها الناس﴾، ﴿إن الذين آمنوا﴾، ﴿إنما المؤمنون﴾، ﴿يوصيكم الله﴾، وغيرها، لكن خصهن بالذكر للتأكيد على شدة التحريم في حق الجميع.

وقيل: بل أفرد النساء بالذكر، لأن السخرية منهن أكثر، ذكره الشوكاني (٢).

وقد ذكر أهل العلم أن لفظة القوم مما يختص به الرجال (٣). ويدل لذلك قول زهير بن أبي سلمى (٤):

ولا أدري ولست أخال أدري … أقوم آل حصن أم نساء (٥)

[المطلب الثاني: معنى السخرية لغة، وفي أقوال أهل العلم من المفسرين وغيرهم]

[أولا: السخرية لغة]

السخرية: هي الاستهزاء، يقال: سخر منه وبه سَخْرا، وسَخَرا، ومَسْخَرا، وسُخْرا بالضم، وسُخْرَة، وسِخرِيا، وسُخْرِيا، وسُخْرِية: هزئ به (٦).

قال الفراء: يقال: سخرت منه، ولا يقال: سخر به، واستدل بقوله تعالى: ﴿لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ﴾ [الحجرات: ١١]، وقوله تعالى: ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩]، وقوله: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُم﴾ [هود: ٣٨] (٧).


(١) انظر: تفسير القرآن لابن كثير (٧/ ٣٧٦).
(٢) انظر: فتح القدير للشوكاني (٥/ ٦٥).
(٣) انظر: الكشاف للزمخشري (٤/ ١٢١)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٦/ ٣٢٥)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (٢٦/ ٢٤٧).
(٤) هو زهير بن ابن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، من مضر، حكيم الشعراء في الجاهلية، ولد في بلاد مزينة، نواحي المدينة، وكان يقيم في الحاجر من ديار نجد، كان ينظم القصيدة في شهر، وينقحها في سنة، فكانت قصائده تسمى بالحوليات. انظر: الإعلام (٢/ ٥٢).
(٥) أورده القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٦/ ٣٢٥، وأبو حيان في البحر المحيط ٩/ ٥١٧.
(٦) انظر: تهذيب اللغة (٧/ ١٦٧)، مادة: "سخر"، والجامع لأحكام القرآن (١٦/ ٣٢٤)، ولسان العرب (٤/ ٣٥٢)، مادة: "سخر".
(٧) انظر: لسان العرب (٤/ ٣٥٣)، مادة: "سخر"، والصحاح (٢/ ٦٧٩)، مادة: "سخر".

<<  <   >  >>