للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم في كتاب الأمثال في القرآن بعد ذكره للآية، وما ضربه الله فيها من المثل: (وهذا من أحسن القياس التمثيلي، فإنه شبه تمزيق عرض الأخ بتمزيق لحمه، ولما كان المغتاب يمزق عرض أخيه في غيبته، كان بمنزلة من يقطع لحمه في حال غيبة روحه عنه بالموت، ولما كان المغتاب عاجزا عن دفعه بنفسه بكونه غائبا عن ذمه، كان بمنزلة الميت الذي يقطع لحمه، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ولما كان مقتضى الأخوة التراحم والتناصر فعلق عليها المغتاب ضد مقتضاها من الذم والعيب والطعن، كان ذلك نظير تقطيعه لحم أخيه، والأخوة تقتضي حفظه وصيانته والذب عنه، ولما كان المغتاب متفكها بغيبته وذمه متحليا بذلك، شبه بأكل لحم أخيه بعد تقطيعه، ولما كان المغتاب محبا لذلك معجبا به شبهه بمن يحب أكل لحم أخيه ميتا، ومحبته لذلك، قدر زائد على مجرد أكله، كما أن أكله قدر زائد على تمزيقه، فتأمل هذا التشبيه والتمثيل، وحسن موقعه، ومطابقته المعقول فيه للمحسوس، وتأمل أخباره عنهم بكراهة أكل لحم الأخ ميتا، ووصفهم بذلك في آخر الآية، والإنكار عليهم أولها أن يحب أحدهم ذلك، فكما أن هذا مكروه في طباعهم فكيف يحبون ما هو مثله ونظيره، فاحتج عليهم بما كرهوا على ما أحبوه، وشبه لهم ما يحبونه بما هو أكره شيء إليهم، وهم أشد شيء نفرة عنه، فهذا يوجب العقل والفطرة والحكمة أن يكون أشد شيء نفرة عما هو نظيره ومشبهه، وبالله التوفيق (١).

قلت: في قوله: ﴿ميتا﴾ قراءتان: قرأ نافع "ميتّا" بالتشديد، وقرأ الباقون "ميتا" بالتخفيف، وهما لغتان في الكلمة، فلا يختلف المعنى باختلافهما (٢).


(١) انظر: الأمثال في القرآن ص (٢٢٤) وما بعدها.
(٢) انظر: حجة القراءات ص (٦٧٧)، والكشف (١/ ٢٣٩).

<<  <   >  >>