سبعين ألف دينار كان أبوه قد زادها عليهم في الخراج، ولما ولي الظاهر أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنة العمرين، فإنه أعاد من الأموال المغصوبة، والأملاك، في أيام أبيه وقبله شيئا كثيرا، وأطلق المكوس في البلاد جميعها، وأمر بإعادة الخراج القديم في جميع العراق، وأن يسقط جميع ما جدده أبوه، وكان كثيرا لا يحصى، فمن ذلك أن قرية بعقوبا كان يُحصّل منها قديما نحو عشرة آلاف دينار، فلما تولى الناصر لدين الله، كان يؤخذ منها كل سنة ثمانون ألف دينار، فحضر أهلها واستغاثوا، وذكروا أن أملاكهم أخذت حتى صار يُحصّل منها هذا المبلغ، فأمر أن يؤخذ الخراج القديم وهو عشرة آلاف دينار، وسار في الناس سيرة حسنة، حتى قيل: إنه لم يكن بعد عمر بن عبدالعزيز أعدل منه لو طالت مدته، لكنه لم يحُل إلى الحول، بل كانت مدته تسعة أشهر، وتوفي في ثالث عشر رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة فكانت خلافته تسعة أشهر وأياما (١).
الملك السادس والثلاثون من ملوك بني العباس: المستنصر: السادس والثلاثون من خلفاء الدولة العباسية، وهو المستنصر بالله أبو جعفر منصور بن الظاهر بأمر الله محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء الحسن بن المستنجد يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر بن المقتدي.
بويع له بالخلافة بعد موت أبيه الظاهر في رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة، فنشر العدل وبذل الإنصاف، وقرب أهل العلم والدين، وبني المساجد والرُّبُط والمدارس،
(١) المختصر في أخبار البشر ٣/ ١٣٦، وأخبار الدولة العباسية ١/ ٤١٤، والكامل في التاريخ ١٠/ ٤٠١، والبداية والنهاية ط إحياء التراث ١٣/ ١٢٥، ٥٢٦، وسمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي ٣/ ٥١٢، تلقيح فهوم أهل الأثر ١/ ٦٨، وتاريخ الإسلام ت تدمري ٤٥/ ١٦٦،