وقد قيل فيهم: لئن كان لكلّ من الخلفاء مناقب مروية وطرائق مرضية، فإنّ لأربعة منهم فضائل أفردوا بمزاياها وحظوا بمرباعها وصفاياها: قام أمير المؤمنين السفّاح؛ سفح دماء الأعداء وتأخّى كشف الغمّاء، وتفرّد وتفضّل بفضيلة الابتداء، والمنصور بالله، أيّد بالنصر في توطيد قواعد الأمر، فذلل كلّ صعب وأزال كلّ شَعْب، وثقّف كلّ مناد، ومهّد لمن بعده أحسن مهاد، ثم المعتضد بالله عضَّد الدولة بحسن تدبيره وسياسته، وتلافاها بشرف نفسه وعلوّ همّته، وأعادها بعد الضعف إلى القوّة، وبعد اللين إلى الشدّة، وبعد الأود إلى الاستقامة، وبعد الفتنة إلى السلامة، ثم القادر بالله قدِر من صلاحها على ما لم يقدر عليه سواه، وسلك من طريق الزهد والورع ما تقدّمت فيه خطاه، فكان راهب بنى العباس حقّا وزاهدهم صدقا، ساس الدنيا والدين، وأغاث الإسلام والمسلمين، واستأنف في سياسة الأمر طرائق قويمة، ومسالك مأمونة سليمة، لم تعرف منه زلّة، ولا ذُمّت له خلّة، فطالت أيّامه، وطابت أخباره، واقتفيت آثاره، وما عدا هؤلاء كان الحكم للمتغلبين من الملوك، والوزراء والموالي، وليس للخليفة معهم إلا الاسم فقط (١)، ولا سيما لدى أواخر الخلفاء، وعدد ملوكهم سبعة وثلاثون ملكا.
الملك الأول من ملوك بني العباس: أبو العباس السفاح: أول خلفاء الدولة العباسية، وهو عبدالله بن محمد بن على بن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب.
أمه ريطة بنت عبيد الله بن عبدالله بن عبد المدان بن الديان بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
(١) تجارب الأمم وتعاقب الهمم (٧/ ٢٤٦، ٢٤٧، وسمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي ٣/ ٥٠٥، بتصرف.