أن وصل هولاكو خان إلى بلاد العراق، واستأصل من بها قتلا وأسرا، وتوجه إلى بغداد وأرسل إلى الخليفة يطلبه، فاستيقظ من نوم الغرور، وندم على غفلته حيث لا ينفع الندم، وجمع من قدر عليه وبرز إلى قتاله، وجمع من أهل بغداد خاصته ومن عبيده وخدامه ما يقارب أربعين ألف مقاتل؛ لكنهم مرفهون بلين المهاد وساكنون على شط بغداد، في ظل ثخين، وماء معين، وفاكة وشراب، واجتماع أحباب، ما كابدوا حربا، ولا ذاقوا طعنا ولا ضربا، وعساكر المغول ينوفون على مائة ألف مقاتل، فوقع التصاف والتحم القتال، وزحف الخميس إلى الخميس يوم الخميس، عاشر محرم سنة ست وخمسين وستمائة، وصبر أهل بغداد فعجزوا عن الاصطبار، وانكسروا أشد انكسار، وولوا الأدبار، وغرق كثير منهم في دجلة، وقتل أكثرهم شر قتلة، ووضعت التتار فيهم السيف والنار، فقتلوا في ثلاثة أيام ما ينوف على ثلاثمائة ألف وسبعين ألفا، وسبوا النساء والأطفال، ونهبوا الخزائن والأموال، وأخذ هولاكو جميع النقود وأمر بحرق الباقي، ورمى كتب مدارس بغداد في دجلة، وكانت لكثرتها جسرا يمرون عليها ركبانا ومشاة، وتغير لون الماء بحبرها إلى السواد، فأشار الوزير على الخليفة بمصانعتهم وقال: أنا في تقرير الصلح، فخرج ووثق لنفسه بينهم ورجع إلى الخليفة وقال: إن الملك هولاكو قد رغب في أن يزوج ابنته بابنك الأمير أبي بكر، ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته، ولا يؤثر أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع سلاطين الديلم والسلجوقية، وينصرف عنك بجنوده فيجيب مولانا إلى هذا فإن فيه حقنا لدماء من بقي من
المسلمين، ويمكن بعد ذلك أن تفعل ما تريد فالرأي أن تخرج إليهم، فخرج الخليفة في أعيان دولته، فأنزل في خيمة، ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا العقد، فخرجوا من بغداد فضربت أعناقهم، وكذلك تخرج طائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم، حتى قتل جميع من فيها من العلماء والأمراء والحجاب والكتاب، واستبقى هولاكو المستعصم أياما إلى أن