للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان سليمان، صاحب نكاح وطعام، وكان الناس يلتقون فيسأل الرجلُ الرجلَ عن التزويج والجواري، وهو فحل بني مروان وكان يركب ومعه ستون من صلبه ذكورا، فانظر في هذا فرقَ ما بينه وبين الوليد قبله، وعمر بن عبدالعزيز بعده.

ذُكر أنه خرج يوما لصلاة الجمعة، وكان سوي الخلق حسنه، وقد لبس حلة خضراء، وهو شاب ممتلئ شبابا، وينظر في أعطافه ولباسه، فأعجبه ذلك من نفسه، فلما بلغ إلى صرحة الدار تلقته جنية في صورة جارية من حظاياه فأنشدته:

أنت نعم لو كنت تبقى ... غير أن لا حياة للإنسان

ليس فيما علمت فيك عيب يذكر ... غير أنك فان

فصعد المنبر الذي في جامع دمشق وخطب الناس، وكان جهوري الصوت يسمع أهل الجامع وهو قائم على المنبر، فضعف صوته قليلا قليلا حتى لم يسمعه أهل المقصورة، فلما فرغ من الصلاة حمل إلى منزله فاستحضر تلك الجارية التي تبدت تلك الجنية على صورتها، وقال: كيف أنشدتيني تينك البيتين؟ فقالت: ما أنشدتك شيئا.

فقال: الله أكبر نُعيَتْ والله إليّ تفسي.

هلك وهو مُعَسْكِرٌ بمرج دابق (١) من أعمال قنسرين، ممدا لأخيه مسلمة، وهو على حصار القسطنطينية يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر سنة تسع وتسعين، وله


(١) قرية قرب حلب من أعمال عزاز، بينها وبين حلب أربعة فراسخ (٢٢ كم) عندها مرج معشب نزه كان ينزله بنو مروان إذا غزا الصائفة إلى ثغر مصيصة، وبه قبر سليمان بن عبدالملك بن مروان، وكان سليمان قد عسكر بدابق وعزم أن لا يرجع حتى يفتح القسطنطينية أو تؤدي الجزية، فشتى بدابق شتاء بعد شتاء إذ ركب ذات عشيّة من يوم جمعة فمرّ بالتل الذي يقال له تلّ سليمان، فرأى عليه قبرا فقال: من صاحب هذا القبر؟ قالوا: هذا قبر عبدالله بن مسافع بن عبدالله الأكبر بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبدالله بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار بن قصيّ بن كلاب القرشي الحجبي فمات هناك، فقال سليمان: يا ويحه لقد أمسى قبره بدار غربة! قال: ومرض سليمان في أثر ذلك ومات ودفن إلى جانب قبر عبدالله بن مسافع في الجمعة التي تليه أو الثانية (معجم البلدان (/ ٤١٦ _ ٤١٧).

<<  <   >  >>