تولى الخلافة يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، فأهمل أمور رعيته وتشاغل بلهوه ولذاته، حتى أشفى الملك على الذهاب، فغلب على أمره وتدبير ملكه وسياسة سلطانه أخوه: أبو أحمد الموفق طلحة بن جعفر المتوكل، ويسمى بالناصر لدين الله، وصيره كالمحجور عليه ولا أمر ينفذ له ولا نهى، فقام بأمر الملك أحسن قيام، وقمع من قرب من الأعداء، واستصلح من نأى، على كثير ما كان يلقى من اعتراض الموالي وسوء طاعتهم وتشغبهم، فلم تزل أمور الموفق جارية على ذلك الى أن توفي المعتمد، ولبث المعتمد ثلاثا وعشرين سنة في أثنائها جرد أخاه الموفق لقتال صاحب الزنج كان من أخبث الخوارج مشتتا للمسلمين، واستحل دماءهم، وكان ينادي على المرأة في محطته باسمها ونسبها، وربما كانت شريفة فتباع بالبخس، وبهذا بان عدم شرفه، وبُحث عن نسبه فلم يوجد له في العلويين صحة نسب، وكانت فتنته مختصة بالبصرة، ولم يزل الموفق يحاربه حتى قتله في صفر سنة سبعين ومئتين، مدته أربع عشرة سنة وهو من أشد مُدد الخوارج.
كان المعتمد جهيرا فصيحا صيتا إذا خطب أسمع أقصى الناس، وكان يمثل بينه وبين المستعين بالسخاء.
وهو أول من حجر عليه التصرف في شؤون الدولة لما سبق ذكره، وهو أول من قهر بالوكالة، فقد كان أخوه الموفق الوكيل المتصرف في أمور الدولة، إلى أن توفى بمدينة السلام في صفر سنة ثمان وسبعين ومئتين (١).
(١) السلوك في طبقات العلماء والملوك ١/ ١٩٩، والتنبيه والإشراف ١/ ٣١٨، وأخبار الدولة العباسية ١/ ٤١٣، وشذرات من كتب مفقودة في التاريخ ٢/ ٤١٧.