للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسبب تلقيبه بالمقتفي أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام قبل الخلافة بأشهر وهو يقول له: إنه سيصل إليك هذا الأمر فاقتف بي، فقام بتدبير المملكة، وكان بيده أزمة الأمور، لا يجري في خلافته أمر وإن صغر إلا بتوقيعه، وكان محمود السيرة مشكور الدولة، يرجع إلى فضل ودين وعقل، ورأي وسياسة، جدد معالم الإمامة، ومهد رسوم الخلافة، وامتدت أيامه ولم ير مع سماحته ولين جانبه ورأفته بعد المعتصم خليفة مثله في شهامته وصرامته، مع ما خص به من زهده وورعه وعبادته، ولم تزل جيوشه منصورة حيث يممت، ولم يبق للخليفة منازع من الملوك والسلاطين.

وكان المقتفي محبا للحديث وسماعه، معتنيا به وبالعلم مكرما لأهله.

ومن غرائب ما حدث في خلافته أنه في سنة أحدى وثلاثين وخمسمائة في خلافته قال ابن الأثير ظهر بدمشق الشام سحاب أسود فاشتد الظلام حتى لا يرى أحد أحدا ثم انقشع وظهر بعده سحاب أحمر فتلونت السماء بلون النار ثم بعد ذلك ظهرت ربح عظيمة عاصف تقلع الأشجار العظيمة من أصولها، وفي سنة خمس وأربعين وخمسمائة من خلافته أمطرت السماء دما أحمر لا ينكر منه شيء وكان ذلك الإمطار في بلاد نيسابور.

وفي سنة تسع وأربعين وخمسمائة من خلافته كانت قصة أهل قرية المعلف وهي قرية بين الكدر والمهجم من أعمال تهامة اليمن، وقيل: قريتان اسم أحمدهما معلف، ولأخرى سحلة، أرسل الله عليهما سحابة سوداء فيها رجف وبرق وشُعَل نار تلهّب وريح، فلما رأوا ذلك زالت عقولهم فألتجأ منهم قوم إلى المساجد، فغشيهم العذاب، فاحتملت الريح أصل القريتين من تحت الثرى بمساكنهم بمن فيها من الرجال والنساء والأطفال والدواب، فألتقتهم بمكان بعيد نحو خمسة أميال من

<<  <   >  >>