للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ القاضي عياض: ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارات، فاستدلوا بهذا الحديث، ومنهم من وَقف لحديث أبي هريرة، أن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا أَدْري الحُدود كفارة لأهلها أم لا". لكن حديث عُبادة أصح إسنادًا، ويُمكن معنى عَلى طريق الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولًا قبل أن يُعْلِمه الله ثم أعْلَمه بعد ذلكَ.

قُلْتُ: حديث أبي هُريرة أخرجه الحاكم في "المستدرك"، والبزار من رواية مَعْمَر، عن ابن أبي ذئب، عن سَعيد المَقْبري، عن أبي هُريرة، وهو صحيح عَلى شرط الشيخين (١)، وقد أخرجه أحْمَد، عن عبد الرزَّاق، عن مَعْمَر (٢)، وذكر الدَّارقطني أن عبد الرَّزَّاق تفرد بوصله، وأن هشام بن يوسف رواه عن مَعْمَر فأرسله.

قُلْتُ: وقد وصله آدم بن أبي إياس، عن ابن أبي ذِئب أخرجه الحاكم (٣) أَيضًا فقويت رواية مَعْمَر، وإذا كَانَ صحيحًا فالجمع الَّذِي جمع به القاضي حَسَن.

لكن القاضي ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة هذا كَانَ بمكة ليلة العَقَبة، بَايع الْأَنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيعة الأولى بمنى، وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلِكَ بسبع سنين عام خَيْبَر، فكيف يكون حديثه متقدمًا؟ !

وقالوا في الجواب عنه: يُمكن أن يكون أبو هريرة ما سَمعه من النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما سمعه من صحابي آخر كَانَ سَمعه من النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قديمًا ولَم [٦٠/ب] يسمع من النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذَلِكَ أن الحُدود كَفَّارة كما سمعه عبادة، وفِي هذا تعسف، ويُبطله أن أَبا هريرة صَرَّح بسماعه، وأن الحُدود لَم تكن نَزلت إذ ذَاك.


(١) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (كتاب الإيمان) (١/ ٣٦)، وفِي (كتاب البيوع) (٢/ ١٤)، والبزار كما في "مجمع الزوائد" (٦/ ٢٦٥).
(٢) لم نجده في "المسند" المطبوع، ولكن أخرجه الحاكم عن القطيعي، عن عبد الله بن أحْمَد بن حنبل، عن أَبيه في "المستدرك" (كتاب الإيمان) (١/ ٣٦). وهذا هو نفسه سند "مسند أحْمَد"، فالله أعلم.
(٣) لَم نَجده في نسخة "المستدرك" المطبوع، ولكن أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (كتاب الحدود، باب: الحدود كفارات) (٨/ ٣٢٩)، عن الحاكم بسنده، عن آدم بن أبي إياس، عن ابن أبي ذئب، فالله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>