للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (فوالله) فيه جواز الحلف من غير استحلاف، فقد يستحب إذا كَانَ في تفخيم أمر من أمور الدين، أو حث عليه، أو تنفير عن مَحذور.

قوله: (لا يَمل الله حتى تَملوا) هو بفتح الميم في الموضعين، والملال: استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد مَحبته، وهو مُحال عَلى الله تعالَى باتفاق، قَالَ الإسماعيلي، وجَماعة من المحققين: إنما أطلق هذا عَلى جهة المقابلة اللفظية مَجازًا، كما قَالَ تعالَى [٨٥ / أ] {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠]. وأنظاره.

قَالَ القرطبي: وجهة مَجازه أنه تعالى لما كَانَ قطع ثوابه عمن قطع العمل ملالًا عبر عن ذلك بالإملال، من باب تسمية الشيء باسم سببه.

وَقَالَ الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تَملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه.

وَقَالَ غيره: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم.

وهذا كله بناء عَلى أن "حتى" عَلى بابها في انتهاء الغاية، وما يترتب عليها من المفهوم، وجنح بعضهم إِلَى تأويلها، فقيل: معناه: لا يَمل الله إذا مللتم، وهو مستعمل في كلام العرب، يقولون: لا أفعلُ كذا حتى يَبْيَض القَارّ، أو حتى يشيب الغُرَاب، ومنه قولُهم في البليغ: لا ينقطع حتى تنقطع خصومه، لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزيَة، وهذا المثال أشبه من الذي قبله؛ لأن شيب الغراب ليس مُمكنًا عادة بِخلاف الملل من العابد.

وَقَالَ المازري: قيل: إن حتى هُنا بِمعنى الواو، فيكون التقدير: لا يَمل وتملون، فنفى عنه الملل وأثبته لَهم، قَالَ: وقيل: حتى بمعنى: حين، والأول أليق وأجرى عَلى القواعد، وأنه من باب المقابلة اللفظية.

وَقَالَ ابن حبان في "صحيحه" (١): هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مِما يخاطب به إلا بها، وهذا رأيه في جَميع المتشابه.


(١) "صحيح ابن حبان" (كتاب البر والإحسان، باب: ما جاء في الطاعات وثوابها) عقب الحديث رقم (٣٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>