وفي الآثار أن موسى لَمَّا نَاداهُ ربه -عزَّ وجلَّ-: يَا موسى! أجابَ سريعًا استئناسًا بالصوت، فقال: لبيك لبيك، أين أنت، أسمع صوتك ولا أرى مكانك؟ فقال: يا موسى أنا فوقك وعن يمينك، وعن شمالك وبين يديك وخلفك. ونقل عبد الله، عن أبيه حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: إذا تكلم الله -عزَّ وجلَّ- سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان، قال أبي: وهذه الجهمية تنكره، وقال أبي: هؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس، من زعم أن الله -عزَّ وجلَّ- لَم يتكلم فهو كافر ألا إنا نروي هذه الأحاديث كما جاءت. - أمّا الإجماع: فقد تلقت الأمة هذه الأحاديث بالقبول ولم ينكر ذلك إلا مبتدع لا يلتفت إليه. نقل التميمي عن أحمد: أنه كان يقول: إن القرآن كيف تصرف غير مخلوق وأن الله تعالى تكلم بالصوت والحرف. وقال البربهاري في السنة له: والإيمان بأن الله هو الذي كلم موسى بن عمران يوم الطور وموسى يسمع من الله الكلام بصوت وقع في مسامعه منه لا من غيره، فمن قال غير هذا فقد كفر بالله العظيم. قال ابن أبي العز شارح الطحاوية: وأنه تعالى لَم يزل متكلمًا إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديمًا وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة. فأمَّا المبتدعة الذين ذهبوا إلى أنه ليس بحرف ولا صوت فقد قالوا: إن الحرف لا يكون إلا من هواء بين جرمين، والصوت يفتقر إلى حلق وحنجرة، فهؤلاء ما فهموا من كلام الله إلا ما فهموه من كلام المخلوقين، فقالوا: إذا قلنا بالحرف فإن ذلك يؤدي إلى القول بالجوارح واللَّهَوات، وكذلك إذا قلنا بالصوت أدى ذلك إلى الْحَلْق والْحَنْجَرة. قلنا: هذا من الهذيان حيث قاسوا ربنا -تبارك وتعالى- عَلى خلقه وهو منهم تشبيه له بعباده، وحكم عليه بأنه لا تكون صفته إلا كصفات مخلوقاته، وهذا ضلالٌ بعيد. والتحقيق هو أن الله تعالى تكلم بالحروف كما يليق بجلاله وعظمته، فإنه قادر، والقادر لا يحتاج إلى جوارح ولا إلى لَهَوات، وكذلك له صوت يليق به، يُسمع، ولا يفتقر ذلك الصوت المقدس إلى الحلق والحنجرة. فكلام الله كما يليق به، وصوته كما يليق به، ولا ننفي الحرف والصوت عن كلامه -سبحانه وتعالى- لافتقارهما منا إلى الجوارح واللهوات، فإنهما في جناب الحق لا يفتقران إلى ذلك. راجع: السنة للخلال، والسنة لعبد الله، وتحريم النظر في كتب الكلام لابن قدامة، وحكاية مناظرة في القرآن مع بعض أهل البدعة لابن قدامة أيضًا، وشرح العقيدة الطحاوية.