للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويُمكن أن يقال في حق هؤلاء الَّذِينَ كانوا بالمدينة: إنهم لَم يبلغهم دعوة عيسى لأنها لَم تنشر في أكثر البلاد، فاستمروا عَلى يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى إلَى أن جاء الإسلام فآمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فبهذا يرتفع الإشكال إن شاء الله.

* فوائد:

الأُولَى: وقع في شرح ابن التين وغيره أن الآية المذكورة نزلت في كعب الأحبار وعبد الله بن سلام، وهو صواب في عبد الله خطأ في كعب؛ لأن كعبًا ليست له صحبة، ولَم يسلم إلَّا في عهد عمر بن الخطاب، والَّذِي في تفسير الطبري وغيره عن قتادة أنها نزلت في عبد الله بن سلام وسَلْمَان الفارسي (١)، وهذا مستقيم؛ لأن عبد الله كَانَ يهوديًّا فأسلم كما سيأتي في الهجرة، وسَلْمان كَانَ نصرانيًا فأسلم كما سيأتي في البيوع، وهُما صحابيان مشهوران.

الثّانِيَة: قَالَ القرطبي: الكتابيُّ الَّذِي يُضاعف أجره هو الَّذِي كَانَ عَلى الحق في شرعه عقدًا وفعلًا إلَى أن آمن بنبينا - صلى الله عليه وسلم -، فيؤجر عَلى اتباع الحق الأول والثاني. انتهى.

ويشكل عليه أن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كتب إلَى هرقل: "أسلم يؤتك الله أجرك مرتين" (٢). وهرقل كَانَ ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، وقد قدمت بحث شيخ الإسلام (٣) في هذا في حديث أبي سُفْيَان في بدء الوحي.

الثّالِثَة: قَالَ أبو عبد الملك البوني وغيره: إن الحديث لا يتناول اليهود ألبتة، وليس بمستقيم، كما قررناه.

وَقَالَ الداودي [١٤٧ / ب] ومن تبعه: إنه يحتمل أن يتناول [جَميع] (٤) الأمم فيما فعلوه من خير كما في حديث حكيم بن حِزَام الآتي: "أسلمت عَلى ما أسلفت من خير" (٥).


(١) "تفسير الطبري" تفسير قوله تعالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ}. (١٠/ ٨٥).
(٢) "صحيح البُخَاري" (كتاب الجهاد والشر، باب: دعاء النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - الناس) برقم (٢٩٤١)، وفِي (كتاب التفسير، باب: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}) برقم (٤٥٥٣).
(٣) هو سراج الدين البُلْقيني.
(٤) مكانها بياض بالأصل، والمثبت من "الفتح".
(٥) أخرجه البُخَاريّ في "صحيحه" (كتاب الزكاة، باب: من تصدق في الشرك ثُمَّ أسلم) برقم (١٤٣٦)، وكذلك في (٢٢٢٠، ٢٥٣٨، ٥٩٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>