للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهو متعقب؛ لأن الحديث مُقَيَّد بأهل الكتاب فلا يتناول غيرهم إلَّا بقياس الخير عَلى الإيمان، وأيضا فالنكتة في قَوله: "آمن بنبيه" الإشعار بعلِّية الأجر، أي أن سبب الأجرين الإيمان بالنبيين، والكفار ليسوا كذلك.

ويُمكن أن يُقال: الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار أن أهل الكتاب يعرفون مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - كما قَالَ الله تعالَى: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: ١٥٧]. فمن آمن به واتبعه منهم كَانَ له فضل عَلى غيره، وكذا من كذبه منهم كَانَ وزره أشد من وزر غيره.

وقد ورد مثل ذَلِكَ في حق نساء النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لكون الوحي كَانَ ينزل في بيوتهن، فإن قيل: فلم لَم يذكرن في هذا الحديث فيكون العدد أربعة؟ أجابَ شيخنا شيخ الإسلام (١): بأن قضيتهن خاصة بهن مقصورة عليهن، والثلاثة المذكورة في الحديث مستمرة إلَى يوم القيامة، وهذا مصير من شيخنا إلى أن قضية مؤمن أهل الكتاب مستمرة.

وقد ادعى الكرماني اختصاص ذَلِكَ بمن آمن في عهد البعثة، وعلل ذَلِكَ بأن نبيهم بعد البعثة إنما هو مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - باعتبار عموم بعثته. انتهى

وقضيته أن ذلِكَ أيضًا لا يتم لمن كَانَ في عهد النَّبِّي - صلى الله عليه وسلم -، فإن خصه بمن لَم تبلغه الدعوة فلا فرق في ذَلِكَ بين عَهْده وَبعْده، فما قاله شيخنا أظهر.

والمراد بنسبتهم إلَى غير نبينا - صلى الله عليه وسلم - إنّما هو باعتبار ما كانوا عليه قبل ذَلِكَ، وأما ما قَوَّى به الكرماني دعواه بكون السياق مُختلفًا، حيث قيل في مؤمن أهل الكتاب: "رجل" بالتنكير، و"العبد" بالتعريف، وحيث زيدت فيه "إِذَا" الدالة عَلى معنى الاستقبال فأشعر ذلِكَ بأن الأجرين لمؤمن أهل الكتاب لا تقع في الاستقبال بخلاف العبد. انتهى.

وهو غير مستقيم؛ لأنه مشى فيه مع ظاهر اللفظ، وليس متفقًا عليه بين الرواة، بل هو عند المصنف وغيره مُختلف، فقد عَبَّر في ترجمة عيسى: "بإذا" (٢) في الثلاثة، وعَبَّر


(١) هو سراج الدين البُلْقيني.
(٢) "صحيح البخَارِيّ" (كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا}) برقم (٣٤٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>