للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقال ليس الزاهد في الدنيا من زهد فيها وقد أعرضت عنه وانبثت منه ولم تمكنه من متاعها وضاقت عليه مع اتساعها وهو مضطر إلى ذلك لظهور عسرته ونفود يسرته وإنما الزاد في الدنيا من أقبلت عليه وحشدت فوائدها إليه وحسنت له في ذاتها وأمكنته من لذتها فأعرض عنها وزهد فيها شاعر

إذا المرء لم يزهد وقد جمعت له ... ضروب من الدنيا فليس بزاهد

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما الزاهد في الدنيا من يكون بما في يد الله أغنى منك بما في يدك وما أكثر انصاف من قال

نراع بذكر الموت في حال ذكره ... ونعترض الدنيا فنلهو ونلعب

ونحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها ... وما كان منها فهو شيء محبب

وقال بعض البلغاء صاحب الدنيا ساكن راحل وأيامه مراحل وأنفاسه رواحل صاحب الدنيا بين فرحة وترحة وحبرة وعبرة صاحب الدنيا بين العسل والصاب والصحة والأوصاب حكى أن سليما بن عبد الملك قال لعمر بن عبد العزيز وقد أعجبه سلطانه كيف ترى ما نحن فيه فقال عمر سرور لولا أنه غرور وحرم لولا أنه عدم وملك لولا أنه هلك وحياة لولا أنه موت ونعيم لولا أنه عذاب أليم فظهر في وجه سليمان الكآبة من كلام عمر ولم ينتفع بنفسه بعد ذلك وتوفي سنة ثمان وتسعين وهو ابن خمس وأربعين سنة وكانت ولايته سنة ست وتسعين

<<  <   >  >>