للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثالث من الباب السابع]

[فيمن سبق بذكائه وفطنته إلى ورود حياض منيته]

ينبغي لنا أن نذكر مقدمة تنتج عنها حقيقة ما ترجمنا عليه وساقنا الغرض إليه وهي إن الانسان إذا كان ذا فكر ثاقب وقريحة وقادة ربما تشكل له فيها خيالات وهمية وأمور حدسية تؤيدها اصابات اتفاقية خارقات للعوائد الفعلية كالحدقة إذا زاد شعاع باصرها عن حد الاعتدال ربما أدركت من المرئيات ما لا يمكن العبارة عنه فكان كالنقص والاختلال وكذلك السمع أيضاً من شدة حادة الحاسة ربما عرض له طنين لكثرة ما يعي من السمعيات كما قلنا في إدراك حدة البصر من المرئيات فتقرطس سهام تلك الخيالات الفكرية أعراض الأقدار ولا يعلم صاحبها أن الله أجراها بارادته شريكي عنان عبرة لأولي البصائر والأبصار فمن لم يجعل الله له نوراً قادته فرعنة طبعه إلى القول والعناد وحسنت له أن يتصف بغير صفات العباد أو يقول إن السعادة إذا كانت مناطة بأفعال الانسان في حركاته وسكناته مساعدة له في سائر حالاته حتى إنه إذا باشر متعسراً تيسر أو صعباً هان أو شديد ألان ربما سولت له خيالات شيطانية إن تلك الأفعال انفعلت بقدرته لا بالقدرة الالهية فتخرج النفس بدعاويها عن صفاتها البشرية وأطوارها الطينية كما فعل النمر وذو فرعون ومن تابعهما بتخيلاتهم الفاسدة من أصحاب المقالات وأرباب المحالات وكل منهم عبد صنم هواه فأضله وأغواه ورقاه بدعواه أصعب مرتقى فهوى به إلى أسفل دركات الشقا فمنهم ممن نازع الله رداءه فأشمت به مخالفيه وأعداءه المقنع الخراساني واسمه عطاء وكان أعور قصاراً من أهل مرو وكان لا يدع القناع عن وجهه لئلا يرى قبحه وكان يعرف بسرعة السحر والنيرنجيات والهندسه وكان أصل معتقده الحلول والتناسخ فادعى الربوبية في قومه فتابعوه وقالوا بقوله واسقط عمن تبعه الصلاة والزكاة والصوم والحج فمن مفصل أباطيله أنه زعم إن الله تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبير حل في آدم ثم من آدم في نوح ثم إلى صورة بعد صورة من صور الأنبياء والحكماء حتى وصل إلى صورة أبي مسلم الخراساني فحل فيها ثم منه إليه فعبده قومه وقاتلوا دونه واتخذ وجهاً من ذهب لئلا يرى قبح وجهه فلا يعبد

<<  <   >  >>