للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الباب الثامن]

[في التغفل]

[وفيه ثلاثة فصول]

[الفصل الأول من هذا الباب]

[في ذم البلادة والتغفل من ذوي التعالي والتنزل]

ومعنى التغفل الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب مع صحة القصد فالمغفل مقصده صحيح ولكن سلوكه الطريق فاسد ورميته في الوصول إلى الغرض غير صحيحة كما قال بعض الحكماء إذا فقد العالم الذهن قل على الأضداد احتجاجه وكثر إليهم احتياجه وتعاورته أسنة الشكوك واشتبهت عليه مناهج السلوك وقالوا التغفل تحريف الشيء عن مواضعه مع تيقن إن ذلك صواب كما ذكر إن أحمد بن أبي خالد عرض القصص يوماً على المأمون وهو بين يديه فمر بصة مكتوب عليها فلان اليزيدي فصحفه وقال الثريدي فضحك المأمون وقال يا غلام ثريدة ضخمة لأبي العباس فإنه أصبح جائعاً فحجل أحمد وقال ما أنا جائع يا أمير المؤمنين ولكن صاحب هذه الرقعة أحمق وضع على يائه ثلاث نقط كأثافي القدر فقال المأمون عد عن هذا فإن النقط شهود الزور والجوع اضطرك إلى ذكر الثريد فلما أتى بالثريد احتشم أحمد من أكله فقال له المأمون بحقي عليك إلا ما أكلت فترك القصص ومال إلى الصحفة وأكل قليلاً ثم دعا بالماء فغسل يديه ورجع إلى القصص فمر بقصة عليها مكتوب فلان الحمصي فقرأها الخبيصي فضحك المأمون وقال يا غلام جام خبيص فإن غذاء أبي العباس كان أبتر فخجل وقال يا أمير المؤمنين صاحب هذه الرقعة أحمق من الأول فتح الميم فصارت كأنها سنتان قال دع عنك هذا فلولا حمق هذا وصاحبه مت أنت جوعاً فأتى بجام خبيص فأبى أن يأكل من كثرة الاستحياء فقال له المأمون بحقي عليك إلا ما ملت نحوه وأكلت فانحرف إليه وأكل منه

<<  <   >  >>