للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتحاسب وحدك ولا والله ما معك ممن ترى أحد فأكب هشام ينكث في الأرض وهو يبكي فقام عطاء فلما كنا عند الباب إذا رجل قد تبعه بكيس لا أدري ما فيه دنانير أم دراهم فقال إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا فقال لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على رب العالمين فوالله ما شرب عنده قطرة ماء

[وأكثر ما يوجد الذكاء المفرط عند العميان]

فإنهم عوّضوا عن البصر سرعة الحفظ وبطء النسيان كان قتادة بن دعامة أكمه وكان يقول لقائده سعيد بن أبي عروبة تجنب بي الحلق التي فيها الخطا فإنه ما وصل إلى سمعي شيء فأداه إلى قلبي فنسيه وممن ولد أكمه بشار بن برد وكان رأس طبقة في الشعراء المولدين وهم أشجع السلمى ومسلم بن الوليد وأبو العتاهية وأبو نواس وغيرهم وقال الشعر وله من العمر إحدى عشرة سنة ومنهم أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري ومن عجيب حكاياته إن أبا زكريا التبريزي كان يقرأ عليه فأتاه رسول من عند أهله من تبريز فجاء حلقة أبا العلاء فسأل عنه فأخبر أنه غائب في بعض شأنه فقال له أبو العلاء ما تريد به قال جئت برسالة من عند أهله فقال هاتها حتى نوصلها إليه قال إنها مشافهة قال فاسمعناها حتى نوصلها إليه قال إنها بالفارسية قال لا عليك إن تسمعناها ولا تسقط منها حرفاً فأوردها عليه فلما جاء التبريزي أخبر أن رجلاً جاء من تبريز ومعه رسالة من أهلك فقال ليتكم أخذتموها منه فإني مشوق لما يرد من أخبارهم فقيل له إنه قال إنها مشافهة فتأسف لذلك فلما رأى أبو العلاء تأسفه قال له لا عليك إني سمعتها منه وحفظتها ثم أملاها عليه فجعل التبريزي يضحك مرة ويبكي مرة فسأله أبو العلاء عن ضحكه وبكائه فقال تارة تخبرني بما يسرني فأضحك وتارة تخبرني بما يحزنني فأبكي وعمي أبو العلاء وله من العمر ثلاث سنين من جدري أصابه وقال الشعر وله إحدى عشرة سنة ولبشار

وعيرني الأعداء والعيب فيهم ... وليس بعار أن يقال ضرير

إذا أبصر المرء المروأة والتقى ... فإن عمي العينين ليس يضير

رأيت العمي أجراً وذخراً وعصمة ... وإني إلى تلك الثلاث فقير

<<  <   >  >>