للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس أو معظمهم، ما بأيديهم من نقود في وقت واحد، مع أن ادخارهما -ولو دفع زكاتهما- خلاف الأولى؛ لأن الأموال المعطلة إذا استغلت في التجارة، أو الزراعة، أو الصناعة ونحو ذلك، كثر الإنتاج، أو تحسن، وكثر تداول البضائع، وساهم في التخفيف من البطالة، أما إذا كان الادخار يؤدي إلى الاحتكار فإنه حينئذ يكون محرماً.

وإن كان مراده بالكنز عدم إخراج زكاتهما -مع بعده- فهذا حرام بلا ريب؛ قال ابن كثير: «وأما الكنز فقال مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هو المال الذي لا تؤدى زكاته» (١).

وأما قوله: «فإذا اتجر في أعيانهما فقد اتخذهما مقصوداً على خلاف وضع الحكمة؛ إذ طلب النقد لغير ما وضع له ظلم». وكذلك قول ابن القيم: عم الضرر وحصل الظلم، فغير مسلّم لأن هذا القول لا دليل عليه.

الترجيح:

بعد عرض الأدلة والتعليلات التي علل بها البعض، ومناقشة ما استوجب المناقشة منها، فالراجح عندي جواز الاتجار في النقود، ولو كانت لتحصيل فروق الأسعار، لقوة أدلة هذا القول، فما دام أن الله أجاز بيعهما وشراءهما على لسان رسوله ، كما سبق ذكره، وليس من الأدلة ما يخصصها، فليس لأحد أن يمنعه. فالأحاديث التي وردت في جواز ذلك كثيرة، وكلها صحيحة، وقد دلت على جواز التجارة في الذهب والفضة، وهذه الدلالة شاملة لجميع الأثمان؛ للاستفادة من تغيرات الأسعار، سواء أكانت سبائك، أم تبراً، أم نقداً؛ حيث جاء بعضها بلفظ: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، بصيغة العموم، وبعضها بلفظ الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، وهي شاملة


(١) تفسير القرآن العظيم ٣/ ٣٥٠، لابن كثير، روى هذا الأثر الإمام مالك موقوفاً. انظر: الموطأ ١/ ٢١٨، ورواه البخاري موصولاً عن أبي هريرة. انظر: صحيح البخاري بشرحه فتح الباري ٣/ ٢٦٨.

<<  <   >  >>