للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن القيم: «وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة، … وذلك لا يكون إلا بثمن تقوَّم به الأشياء، ويستمر على حالة واحدة، ولا يقوَّم هو بغيره؛ إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض، فتفسد معاملات الناس، ويقع الخلف ويشتد الضرر، كما رأيت من فساد معاملاتهم، والضرر اللاحق بهم، حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح، فعم الضرر وحصل الظلم» (١).

مناقشة ما يستوجب المناقشة:

كلام الإمام مالك وأصبغ وابن رشد، لا يدل على عدم جواز عقد الصرف، أو المنع من الاتجار في العملات، وإنما يدل على أن كثيراً ممن يعملون في هذا المجال ينقصهم العلم بأحكامه، أو لا يتورعون فيه، مما يؤدي إلى انزلاقهم في الحرام.

لكن مثل هاتين الحالتين لا تعودان على الاتجار في العملات بالحرمة، أو الكراهة، وإنما تلحق الحرمة والبطلان العقد إذا لم يستوف شروط الاتجار فيها. ويجب ألا يمارس التجارة فيها إلا من عرف أحكام الصرف، واستوفى شروطه، عند تطبيق عقوده، وحينئذ فإنه لا منع ولا كراهة.

أما الغزالي فإنه لا يمنع جواز بيع أحد النقدين بالآخر؛ ولا بيع الدراهم بالدراهم، والدنانير بالدنانير، ويعلل لقوله بأن ذلك لا يرغب فيه عاقل. لكنه يرى أن الاتجار فيهما ينزل منزلة كنزهما، وهو كفر لنعمة الله التي جعلها فيهما، وأنه ظلم.

فيظهر من قوله (فيبقى النقد مقيداً عنده وينزل منزلة المكنوز) أنهما يشبهان المكنوز في عدم تحريكهما لادخارهما ادخاراً سلبياً غير منتج، فهذا خلاف الواقع في هذا العصر، إذ إن العملات أنواع متعددة، تتجاوز الآلاف، والتجارة فيها تحريك للأثمان وليست كنزاً لها. كما أن كنزها إذا وقع من بعض الأفراد، فإنه لا يؤثر في الغرض منهما؛ وهو توسطهما بين السلع؛ لأنه لا يمكن أن يدخر كل


(١) إعلام الموقعين عن رب العالمين، ٢/ ١٣٢، مطبعة السعادة، مصر، عام ١٣٨٩ هـ ١١٦٩ م.

<<  <   >  >>