للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحرم منه، وقليل ما هم؛ ولذلك كان الحسن يقول: إذا استسقيت ماءً فسقيت من بيت صراف فلا تشربه، وكان أصبغ يكره أن يستظل بظل الصيرفي، قال ابن حبيب: لأن الغالب عليهم الربا؛ وقيل لمالك أتكره أن يعمل الرجل بالصرف؟ قال نعم، إلا أن يكون يتقي الله في ذلك» (١).

وقال أبو حامد الغزالي: «خلق الله تعالى الدنانير والدراهم حاكمين ومتوسطين بين سائر الأموال حتى تقدر الأموال بهما .... إذ لا غرض في أعيانهما، .... فإذن خلقهما الله لتتداولهما الأيدي، ويكونا حاكمين بين الأموال بالعدل، ولحكمة أخرى، وهي التوسل بهما إلى سائر الأشياء؛ لأنهما عزيزان في أنفسهما، ولا غرض في أعيانهما، ونسبتهما إلى سائر الأموال نسبة واحدة، فمن ملكهما فكأنه ملك كل شيء … فكذلك النقد لا غرض فيه، وهو وسيلة إلى كل غرض.

«فإذا اتجر في أعيانهما فقد اتخذهما مقصوداً، على خلاف وضع الحكمة؛ إذ طلب النقد لغير ما وضع له ظلم … فأما من معه نقد، فلو جاز له أن يبيعه بالنقد، فيتخذ التعامل على النقد غاية عمله، فيبقى النقد مقيداً عنده، وينزل منزلة المكنوز، … فلا معنى لبيع النقد بالنقد إلا اتخاذ النقد مقصوداً للادخار، وهو ظلم (٢)».

«فإن قلت: لم جاز بيع أحد النقدين بالآخر؛ ولم جاز بيع الدرهم بمثله؟ فاعلم أن أحد النقدين يخالف الآخر في مقصود التوصل؛ إذ قد يتيسر التوصل بأحدهما من حيث كثرته؛ كالدراهم تتفرق في الحاجات قليلاً قليلاً، ففي المنع منه تشويش المقصود الخاص به؛ وهو تيسير التوصل به إلى غيره، أما بيع الدرهم بدرهم يماثله فجائز من حيث إن ذلك لا يرغب فيه عاقل مهما تساويا، ولا يشتغل به تاجر، فإنه عبث» (٣).


(١) المقدمات ٢/ ١٤.
(٢) إحياء علوم الدين، ٤/ ١٤٢ و ١٤٣ و ١٤٤.
(٣) المصدر السابق.

<<  <   >  >>