للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشاهد العبودية في الصيام

إخوتاه ..

شهر رمضان أيام قلبية في الزمن؛ متى أشرفت على الدنيا فكأن الزمان يقول لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السمو، ويتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنما أجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو، فيزهد فيها، وكأنما أفرغت من خسائسها وشهواتها كما أفرغ هو فتسمو أخلاقه، وكأنما ألزمت معاني التقوى كما ألزمها هو، وما أجمل وأبدع أن تظهر الحياة في العالم كله -ولو يومًا واحدًا- صائمة نهارها، قائمة ليلها .. ! فكيف بها على ذلك شهرًا من كل سنة؟

ولذلك فإن الصيام تغيير كامل للحياة لا مجرو الامتناع عن الطعام والشهوة مدة من الزمن؛ ولهذا لا بد أن يكون للصائم مشاهد في هذه العبادة يجد آثارها في قلبه. فإن هذه العبادة تُطْلِعُه على رياض مونقة من أنواع العبودية المختلفة ومن مشاهد العبودية في الصيام:

[المشهد الأول: مشهد التوحيد]

قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: ١٤]، وقال سبحانه: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: ٧٥].

<<  <   >  >>