للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنزل الإنجيل لثلاثَ عَشْرةَ مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان" (١).

واختصه الله بصفة أخص بنزول أعظم كتاب لأعظم أمة، اختصه من بين الشهور بذلك فقال جل جلاله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: ١٨٥]، فالقرآن العظيم الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور نزل في هذا الشهر العظيم الفضيل، فهل بعد هذه مَنقبَة؟!

ثانيًا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله عَزَّ وَجَلَّ: كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزي به" (٢)، استأثر الله سبحانه وتعالى بالصيام لنفسه سبحانه من بين سائر الأعمال، ولهذا قال بعد ذلك: "إنه إنما ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي".

قال ابن عبد البر: كفى بقوله: "الصومُ لي" فضلًا للصيام على سائر العبادات، وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: "الصوم لي وأنا أجزي به"، مع أن الأعمال كلَّها له، وهو الذي يجزي بها، على أقوال: أحدِها: أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله، فأضافه إلى نفسه.

وقال أبو عبيد في غريبه: قد علمنا أن أعمال البر كلَّها لله وهو الذي يجزي بها، فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام؛ لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيءٌ في القلب؛ وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات، إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى على الناس.


(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٠٧)، وحسنه الألباني (١٥٠٩) في "صحيح الجامع".
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري (١٨٥٠)، مسلم (١١٥١).

<<  <   >  >>