للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه، وهو الزهد في المكروه، وفضول المباحات والتفنن في الشهوات المباحة.

الثالث: زهد الداخلين في هذا الشأن، وهم المشمرون في السير إلى الله وهو نوعان:

أحدهما: الزهد في الدنيا جملة، وليس المراد تخليتها من اليد ولا إخراجها وقعوده صِفرًا منها، وإنما المراد إخراجها من قلبه بالكلية، فلا يلتفت إليها، ولا يدعها تساكن قلبه، وإن كانت في يده، فليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك وهي في قلبك، وإنما الزهد أن تتركها من قلبك وهي في يدك، وهذا كحال الخلفاء الراشدين، وعمر بن عبد العزيز الذي يضرب المثل بزهده مع أن خزائن الأموال تحت يده، بل كحال سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - حين فتح الله عليه من الدنيا ما فتح، ولا يزيده ذلك إلا زهدًا فيها.

ومن هذا الأثر الشهور: "ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال؛ ولكن الزهد في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك مما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك".

والذي يصحح هذ الزهد ثلاثة أشياء:

أحدها: علم العبد أنها ظل زائل وخيال زائر، وأنها كما قال الله تعالى فيها: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} [الحديد: ٢٠]، وقال الله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ

<<  <   >  >>