النفس مجبولة عليه، قال تعالى:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ}[النساء: ١٢٨]، وقال سبحانه:{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: ٩]، وقال سبحانه:{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا}[الإسراء: ١٠٠]، فشرع الله الصيام ولمدة شهر لعلاج هذا المرض، وذلك بتعويد الإنسان على ضده وهو الإيثار.
وابن القيم -عليه - رحمة الله - أستاذ القلوب في مدرسة الربانية، قد أفاد وأجاد فبدأ الكلام في هذا الباب وتفصيله في كتاب طريق الهجرتين أيضًا، فننقل كلامه هنا بطوله بنصه، لعل الله ينفعنا جميعًا به، فما بعد العلم إلا العمل، فخذه هنيئًا مريئًا.
يقول - رحمه الله -: "الدين كله والمعاملة في الإيثار، فإنه تقديم وتخصيص لمن تؤثره بما تؤثره به على نفسك، وقيل: من آثر الله على غيره آثره الله على غيره.
والإيثار إما أن يتعلق بالخلق، وإما أن يتعلق بالخالق، وإن تعلق بالخلق فكماله أن تؤثرهم على نفسك بما لا يُضَيِّع عليك وقتًا، ولا يفسد عليك حالًا، ولا يهضم لك دينًا، ولا يسُدُّ عليك طريقًا، ولا يمنع لك واردًا، فإن كان في إيثارهم شيء من ذلك، فإيثار نفسك عليهم أولى، فإن الرجل من لايؤثر بنصيبه من الله أحدًا كائنًا من كان.
وهذا في غاية الصعوبة على السالك، والأول أسهل منه، فإن الإيثار المحمود الذي أثنى الله على فاعله: الإيثار بالدنيا لا بالوقت والدين وما يعود بصلاح القلب، قال الله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: ٩].
فأخبر أن إيثارهم إنما هو بالشيء الذي إذا وُقِيَ الرجلُ الشُّحَّ به كان من