للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا بد لك أيها التالي للقرآن أن تعرف أن القرآن كلام الله وأن صفة التكليم من صفات الجلال للرب جل وعلا، وربك جل جلاله إذا تجلى لشيء لم يقم لعظمة جلاله سبحانه شيء، {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣].

فافهم واعرف أيها الحبيب المحب أن صفة الكلام من صفات الملك جل جلاله ولها عظمة من عظمته سبحانه، وكما أنه سبحانه كما ثبت في الحديث أن "حجابه النور لو كشفه لأحرفت سبحات وجهه ما امتد إليه بصره من خلقه" (١)؛ فلابد من حجاب لهذه الصفة.

فجعل الله وهو الرحيم بعباده الكريم الحروفَ والأصوات كأنها حجاب لصفة الكلام؛ لتستطيع القلوب والعقول مطالعة هذه الصفة وإلا لصار الخلق دكًّا كما جرى للجبل، قال سبحانه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ} [الحشر: ٢١].

فأحمد الله أيها التالي للقرآن على هذه المنة العظيمة أن تتمكن من تلاوة القرآن الذي هو كلام الله، والكلام صفة من صفات الله -عز وجل-، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: ١٧].

(٢) التعظيم للمتكلم:

فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر، وأن في تلاوة كلام الله -عز وجل- غايةُ الخطر، فإنه تعالى قال: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩]، وكما أن ظاهر جلد المصحف وورقُه محروسٌ عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان


(١) أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني (١٨٦٠) في "صحيح الجامع".

<<  <   >  >>