نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ في هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: ١٢٠]، فليُقَدِّر العبدُ أن الله ثبَّت فؤاده بما قصه عليه من أحوال الأنبياء وصبرهم على الإيذاء وثباتهم في الدين لانتظار نصر الله تعالى.
وكيف لا يُقدِّر هذا والقرآن ما أُنْزِل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرسول الله خاصة؛ بل هو شفاء وهدى ورحمة ونور للعالمين؛ ولذلك أمر الله تعالى الكافة بشكر نعمة الكتاب فقال تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ}[البقرة: ٢٣١]، وقال -عز وجل-: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[الأنبياء: ١٠]، وقال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل: ٤٤]، وقال سبحانه:{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[الزمر: ٥٥]، وقال عز وجل:{هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران: ١٣٨].
وإذا قُصِد بالخطابِ جميعُ الناس فقد قُصِدَ الآحادُ، فهذا القارئ الواحد مقصودٌ، فماله ولسائر الناس، فليقدر أنه المقصود، قال الله تعالى:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام: ١٩]، قال محمَّد بن كعب القرظي: من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله، وإذا قدر ذلك لم يتخذ دراسةَ القرآن عملَه، بل يقرؤه كما يقرأُ العبدُ كتابَ مولاه الذي كتبه له ليتأمله ويعمل بمقتضاه، ولذلك قال بعض العلماء: هذا القرآن رسائل أتتنا من قَبِلِ ربنا -عز وجل- بعهود نتدبرها في الصلوات ونقف عليها في الخلوات وننفذها في الطاعات والسنن المتبعات، وكان مالك بن دينار يقول: ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن؟، إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض، وقال قتادة: لم يجالس أحدٌ القرآن إلا قام بزيادة أو نقصان، قال تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}[الإسراء: ٨٢].