وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله -عز وجل- كذكرهم لله -عز وجل- ولدًا وصاحبة -تعالى الله عن ذلك- يغض الصوت وينكسر في باطنه حياءً من قبح مقالتهم، وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقًا إليها.
وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفًا منها، ولما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود:"اقرأ علي" قال: فافتتحت سورة النساء، فلما بلغت:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}[النساء: ٤١]، رأيت عينيه تذرفان بالدمع؛ فقال لي:"حسبك الآن"(١)؛ وهذا لأن مشاهدة تلك الحالة استغرقت قلبه بالكلية - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد كان من الخائفين من خَرَّ مغشيًا عليه عند آيات الوعيد، ومنهم من مات في سماع الآيات.
فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكيًا في كلامه، فإذا قال:{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الأنعام: ١٥]، ولم يكن خائفًا كان حاكيًا.
وإذا قال:{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[الممتحنة: ٤]، ولم يكن حاله التوكل والإنابة كان حاكيا.
وإذا قال:{وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا}[إبراهيم: ١٢]، فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه حتى يجد حلاوة التلاوة.
فإن لم يكن بهذه الصفات ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات؛ كان حظه من التلاوة حركة اللسان مع صريح اللعن علي نفسه في قوله تعالى:{أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود: ١٨]، وقال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا