للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: ٢]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحسن الناس صوتًا بالقرآن إذا سمعته رأيت أنه يخشى الله تعالى" (١).

وقال بعض القراء: قرأت القرآن على شيخ لي ثم رجعت لأقرأ ثانيًا فانتهرني وقال: جعلتَ القرآن عليَّ عملًا، اذهب فاقرأ على الله -عز وجل-، فانظر بماذا يأمرك وبماذا ينهاك.

لهذا كان شغل الصحابة - رضي الله عنهم - في الأحوال والأعمال، فمات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عشرين ألفًا من الصحابة، لم يحفظ القرآن منهم إلا ستة اختلف في اثنين منهم، وكان أكثرهم يحفظ السورة والسورتين، وكان الذي يحفظ البقرة والأنعام من علمائهم، ولما جاء واحدٌ ليتعلم القرآن فانتهى إلى قوله -عز وجل-: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧ - ٨]، قال: يكفي هذا وانصرف، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "انصرف الرجل وهو فقيه" (٢)، وأنما العزيز مثلُ تلك الحالة التي مَنَّ الله -عز وجل- بها على قلب المؤمن عقيب فهم الآية.

فأما مجرد حركة اللسان فقليل الجدوى، بل التالي باللسان المعرض عن العمل جدير بأن يكون هو المراد بقول الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: ١٢٤]، وبقوله -عز وجل-: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: ١٢٦]، أىِ تركتها ولم تنظر إليها ولم تعبأ بها، فإن المقصر في الأمر يقال: إنه نسى الأمر، وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثير بالانزجار والائتمار، فاللسان يرتل، والعمل يترجم، والقلب يتعظ.


(١) أخرجه ابن ماجه (١٣٣٩)، وصححه الألباني (١١٠) في "صحيح ابن ماجه".
(٢) قال الهيثمي في "المجمع" (٧/ ١٤١): رجاله رجال الصحيح.

<<  <   >  >>