للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مُلَبٍّ يلبي إلا لَبَّى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مَدَر، حتى تنقطع الأرض من ها هنا ومن ها هنا" (١)، فيصبح هذا الملبي مركز الكون، كل ما عن يمينه يلبي معه، وكل ما عن شماله يلبي معه، وهو نقطة مركز الدائرة، فاستشعار ذلك يملأ القلب خضوعًا وخشوعًا للملك جلَّ جلالُه، قال جابر - رضي الله عنه -: "خرجنا من المدينة نصرخ بالحج صراخا" (٢)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير الحج العَجُّ والثَّج" (٣).

العج هو رفع الصوت بالتلبية، والثج: كثرة إراقة الدماء، لبيك اللَّهم لبيك .. تقول: جئت إليك، جئت إليك بذنوب العمر .. بهموم العمر .. بمآسي السنين .. بكُرَب الحياة .. جئت إليك وليس لي غيرك .. ومن ذا الذي أذهب إليه سواك؟! .. عبيدك سواي كثير وليس لي غيرك .. لبيك ..

عندما تقولها بهذا المعنى؛ فسوف تكون من قلبك .. من عقلك .. من عينيك .. تكون لبيك من كل ذرة في جسمك، بكل كِيانك، لبيك حقيقة، فالمعنى الثاني من معاني العمرة: الفرار إلى الله، فرار من الفتن، فرار من الدنيا، فرار من الماضي الحزين إلى الله الرحيم الحَنَّان.

ثالثًا: الهجرد إلى الله:

والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، وفي قصة قاتل المئة، أمره العالم أن يخرج من بلده. لأنها بلد سوء، وأن يذهب إلى بلد آخر فيها أناسٌ صالحون ليعبد الله معهم، وهذا المعنى نجده في العمرة، فأنت مهاجر إلى الله، تركت


(١) أخرجه الترمذي (٨٢٨)، وصححه الألباني (٥٧٧٠) في "صحيح الجامع".
(٢) أخرجه مسلم (١٢٤٧).
(٣) أخرجه الترمذي (٨٢٧)، وحسنه الألباني (١٥٠٠) في "الصحيحة".

<<  <   >  >>