للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خرجوا للجهاد حفاة .. عراة .. جياعًا .. والرسول - صلى الله عليه وسلم - يناجي ربه: "إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض" (١)، وبين: ليرينَّ اللهُ ما أصنع.

في الأولى كانوا فيها في قمة الذل والانكسار .. وفي الثانية كان هناك شيء من رؤية النفس .. لم ينكسروا تمام الانكسار فكسرهم .. سبحانه عزيز لا يغالب.

أيها الإخوة، الطاعات مدد وأرزاق .. وحينما تدخل على الملك وأنت فقير يعطيك، وإذا دخلت عليه وأنت مستعلٍ طردك؛ لا بد أن تدخل بفقرك وضعفك وحاجتك ومسكنتك.

وهذا الباب -باب الذل- بابٌ عظيم يوصل إلى رضا الرب الكريم جل جلاله، كما قال بعض السلف: أتيت الله من الأبوب كلها فوجدتها ملأى؛ فأتيته من باب الذل فوجدته خاليًا، وكان شيخ الإِسلام ابن تيمية يفتخر بفقره لربه، وبأنه عريق النسب في الفقر إلى الله، فيقول:

أنا المُكَدِّي وابنُ المُكَدِّي ... وهكذا كانَ أبي وَجَدِّي

إن إظهارك الافتقار لله يستجلب لك رحمة الله وعفوه، فأنت فقير إلى الله، والله غني عنك وعن عملك، وكل ما تعمل من عمل إنما هو لنفع نفسك: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [يونس: ١٠٨]، فالله سبحانه وتعالى لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، ولو أن خلقه كلهم أولهم وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أتقى قلب رجلٍ منهم؛ ما زاد ذلك في ملكه شيئًا، ولو أن أولهم وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منهم؛ ما نقص ذلك من ملكه شيئًا.


(١) أخرجه مسلم (١٧٦٣).

<<  <   >  >>