للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إليه ما لم يفعل، وروى هذا العبثَ مؤرخون هواهم عليه وميلهم مع أعدائه، وأدباء محاضرون لا يبالون ما يروون (كصاحب «الأغاني»، والأغاني من الكتب التي أفسدت الدين والخلق، وإن صانت الأدب والشعر والأخبار) (١).

قلت: إنك لتذكر تاريخاً قديماً.

قال: هو ما قلت لك، غير أن الشيخ لا يحب أن يلقى أحداً، وقد حذّروه قوماً يُقال لهم «أهل الصحف» يفضحون الناس: ينشرون من أسرارهم ما يطوون ويعلنون من أخبارهم ما يُسِرّون ليُسَلُّوا بذلك من يشتري منهم هذه الصحائف. فاحْتَلْ للقائه بحيلة.


(١) ربما كانت للوليد مآثر، فقد سار في الناس سيرة حسنة وزاد في أعطياتهم، لكنه كان في ذاته فاسداً متهتكاً مسرفاً في متابعة شهواته، ولو لم يكن كذلك لما حث الزُّهْريُّ عمَّه هشاماً على خلعه من ولاية العهد، والزهري هو مَن هو في علمه وورعه. ولمّا ترجم له السيوطي في تاريخ الخلفاء قال: "الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الخليفة الفاسق"! ولعل كلمة الحافظ الذهبي فيه هي القول الفصل، قال: "لم يصحَّ عن الوليد كفر ولا زندقة، بل اشتهر بالخمر والفسق فخرجوا عليه لذلك". ثم إن الوليد كان طائشاً جاهلاً في سياسة المُلْك، فاستطاع أن يستعدي عليه كل الأطراف، بما فيها أبناء البيت الأموي أنفسهم حيث نكل بأبناء عمَّيه هشام والوليد. وبالجملة فأنا أظن أنه خرّبَ في الأشهر الستة التي ملك فيها أكثرَ ما بناه في عشرين سنةً عمُّه، الخليفة الحازم هشام بن عبد الملك، وأنه كان من أسباب (أو من مُسَرِّعات) زوال البيت الأموي الذي لم يعش بعده إلا خمس سنين (مجاهد).

<<  <   >  >>