يومض شعاع الأمل من بين فرج الغد، فنسعى فلا نجده إلا سراباً. إن الأمل مصباح لا يضيء إلا من بعيد. أفليس من سخافات الفكر الإنساني أن يضع في اللغة كلمة «الأمل» ولفظ «المستقبل»؟ أليس وجودهما في المعاجم دليلاً على أننا لم ندرك بعدُ حقائقَ الحياة؟
لقد كنت في الأعظمية غبياً جاهلاً لأني كنت مطمئناً متفائلاً! كنت كلما ودعت بالخيبة عاماً انتظرتُ آمالي عند آخر، ولكني صحوت الآن، فلا آسَفُ على ماضٍ ولا أؤمل في مستقبل.
لقد قُدر عليّ ألاّ أشهد ولادة العام إلا غريباً عن موطني بعيداً عن أهلي، تارة في مصر، ومرة بالحجاز، وحيناً في العراق. وهأنَذا الآن غريب من جهتين: هذا السد الهائل من الجبال، جبال لبنان، بيني وبين إخوتي في دمشق، وهذا البحر الواسع بيني وبين أخي في باريس؛ والدهر والأبدية بيني وبين آمالي، والقبر بيني وبين والديّ (١) ... وأنا -بعد هذا كله- غارق في كتب البلاغة
(١) كانت قد مضت ستُّ سنين على وفاة أمه يوم كتب هذه المقالة، وأخوه عبد الغني سافر إلى باريس من قريب (انظر مقالة «إلى أخي النّازح إلى باريس»، وقد مضت في هذا الكتاب)، وبقي له في الشام أخوان وأختان يزورهم في كل أسبوع يومين، قال في الذكريات: "كنت أقضي ثلثَي الأسبوع في بيروت وثلثه في دمشق"، وأخباره في بيروت في تلك السنة مبسوطة في حلقتَي الذكريات ١٠٣ و١٠٤ (في أول الجزء الرابع) (مجاهد).