للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوفيّة الوادعة الجميلة لأجد عندها أنس نفسي وراحة قلبي، أنظر إليها فتَمَّحي هذه الأبعاد والمسافات التي تفصل بيني وبين أهلي، وتبدو لعيني حافلةً بالألوان التي لا يستطيع أبرع مصوِّر (١) أن يجمعها في لوحة. ومَن -لَعَمْري- يصوّر ألوان الغروب أو ألوان الزهر في الروض، أو يثبتها على لوحة بالألفاظ والأوزان أو بالأصبغة والألوان؟ إن الطبيعة أبرع في الألوان، ولكن الفن البشري أبرع في الأصوات. إن الطبيعة ليست موسيقية فنانة ولكن عندها من الألوان ما لا نهاية له. وهل عندها إلا هدير الموج، وخرير النهر، وحفيف الأشجار، وتغريد البلابل، وسجع الحمام، وقصف الرعد ... هذه موسيقاها، ومن هنا كانت الموسيقى أسمى الفنون لأنها ابتكار وتجديد، على حين أن الأدب والتصوير تقليد.

هذه الطبيعة التي أجد في حِماها الحب والعاطفة والجمال كلما لجأت إليها فراراً من الناس وضيقاً بالحياة. وما ذهبت مرة إلى بَسِّيمَة (٢) وأطللت على هذا الوادي الصغير الذي يشبه همسة حلوة من همسات الحب أو بيتاً بارعاً من قصيدة الجمال إلا


(١) يريد «الرسّام»، ويسميه جدي دائماً «المصوِّر»، وإذا أراد ما ندعوه اليومَ صُوَرة (أي مما تلتقطه آلات التصوير) وصفها بالصورة الضوئية أو صورة الفوتوغراف (مجاهد).
(٢) قرية حلوة صغيرة مختبئة بين الجبال على القرب من العين الخضراء، وقد كانت مُصطاف الشاميين القريب ومتنزّههم الفاتن الحبيب، فأفسدتها «المدنية!» حين حولتها إلى حانات وخمارات وجعلتها معابد للشيطان!

<<  <   >  >>