من أجواء الفكر، فالتفَتُّ إليه، وعلقت أنظاري بهذه الثياب الزريّة التي يلبسها، فسألته: أتذهب إلى المدرسة بهذه الثياب؟
قال: نعم، وهل تبصر فيها عيباً؟ هل تكشف عورة؟ هل ترى فيها تشبّهاً بالنساء؟ أليست نظيفة؟
قلت: ألا تلبس الحلة التي يلبسها التلاميذ جميعاً؟
قال: أتعني السترة والبنطال؟ هل تريد أن يسخر مني الأولاد ويلحقوني في الأزقة ينادون «فلَّق زم»؟ وهل يلبسها من التلاميذ إلا المخنثون.
قلت: ويجيء التلاميذ جميعاً بهذا الإزار (السَّرْكَس)؟
قال: نعم.
فذكرت أننا كنا كذلك حقيقة، وكان الذي يلبس هذه الحلة الإفرنجية كالذي يلبس «شلحة» أمه، وكان الأولاد يهتفون وراءه بهذا الهتاف الشنيع، وأننا لما وصلنا إلى الثانوية (وكان ذلك بعد ميسلون ودخول الفرنسيين) وألزمونا بلبسها كانت أمي رحمها الله هي التي تخيطها لي، فتصوّر ماذا تكون هذه الحلة التي تخيطها أمي؟ وأن أول حلة خاطها لي الخيّاط كانت مصنوعة من جبة خلّفها أبي رحمه الله، وكنت في الصف التاسع، فأحسست يوم جئت المدرسة بها كأني إمام المتأنقين! وأنّا بلغنا صف البكالوريا ولم يكن فينا من يجرؤ أن يعقد حول عنقه هذه العقدة، نرى ذلك تفرنجاً وتنطّساً لا يليقان بطلبة العلم.
فأين من هذا ما يصنع شبابُ اليوم؟ أين هذا التأنق والتجمل،