فكدت أقول له: أنت أنا. ثم خفت أن يجترئ عليّ بالقول الجارح لأنه -كما بدا لي- سليط اللسان، فسكتّ عنه، وما زلت به حتى رضي أن يمشي معي.
قال: ولكني لا أجاوز آخر الشارع.
قلت: وأي شارع.
فقال: وهل في دمشق مئة شارع؟ الشارع الذي فتحه جمال باشا، وأنا أعرفه من قبل طريقاً ضيّقاً يمتد من بعد المشيرية إلى محطة الحجاز، يقطعه هذا الزقاق الذي يصل من المَرْجَة إلى الشابكلية: زقاق رامي.
قلت: لقد تغيرت الأرض ومَن عليها يا ولدي، وفُتحت مئات من الشوارع، وصارت «المرجة» لُبَّ البلد وقد كانت في آخره، وقامت وراء شركة الكهرباء (حيث المزابل التي تعرفها) العماراتُ الضخمة والحدائق الواسعة. وطريق الصالحية الذي كان يمتد وحدَه بين البساتين، ما على طرفَيه إلا بيوت قليلة تقوم صفاً واحداً وراءه الفضاء، صار اليوم سوق المدينة، وقامت على جانبيه أحياء إذا جئتها حسبت نفسك في باريس، وحي «المهاجرين» الفقراء من أهل جزيرة كريت (إقريطش) صار حيَّ الأغنياء والمترفين، وصارت البقعة الواحدة منه التي لا تذرع مئة متر مربعة أغلى من أرض الحي كلها! وبوابة الصالحية، حيث يمر الترام بين «الخسته خانة» وبستان الكركة في طريق ضيق كان منذ غروب الشمس مربطَ قطّاع الطرق، لقد صارت بوابة الصالحية ميداناً فسيحاً فيه العمارات العالية والشوارع الفسيحة، شارع