بغداد وشارع الأركان، والبساتين صارت أحياء عامرة، وبستان الأعاجم صار حيّ الحلبوني، وبستان السبكي وبستان الحبوبي صارا أضخم أحياء الشام ... لقد دار الفلك ثماناً وثلاثين دورة على دمشق التي تعرفها.
قال: إذن يجب أن أكون ابن ثمان وأربعين!
قلت: نعم.
قال: ألا تراني أمامك صبياً؟
قلت: وأنت ألا تراني أمامك كهلاً؟
قال: أرجو ألاّ تلقي عليّ هذه الفلسفة الجنونية.
قلت: ويحك! ما ألقيتها عليك. وهل أنت شيء له وجود؟ إنما ألقيها على نفسي.
وسحبت الغلام، وسرت به وهو مشدوه مما يسمع. ورأى السيارات الكثيرة وهي تتعادى وتتسابق مسرعة مجنونة كأنما هي راكبة على جناح شيطان، من كل لون وجنس، من الصغيرة التي تشبه صندوق اللعب إلى الكبيرة التي تسع سبعين راكباً، تخرج عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه، كأنها العفاريت في قصة «الملك سيف»، تتلاطم أصواتها في الأذن كأنها عزيف الجن، فارتاع ووقف حائراً. فقلت له: ما لك؟ ألا تعرف السيارات؟
فلم يشأ أن يظهر الجهل وقال: وهل تظنني آتياً من الصحراء؟ كيف لا أعرفها؟ لقد فاخرت التلاميذ بأن والدي ركب فيها.