للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأعرض عنها وازدراها، ورأت إلى جانبه فتاة من بنات «بايْ بايْ»، فخولطت وعادت إلى صخرتها تنتظر عودة من ليس يعود، حتى وافاها الأجل فدُفنت مكانها؟

أم هو قبر عاشق ماتت حبيبته كما ماتت ليلى، فعاش بعدها كما يعيش كل حبيب يائس؟ أم كانت قصة هذا القبر شيئاً آخر، فمن يعرف هذا الشيء؟ من يهتم بشهيد من شهداء الغرام؟ من يعنى بضحية من ضحايا العواطف؟ من يبكي للمحب المجهول ويقف على قبره وقوف الناس على قبر الجندي المجهول؟

يا رحمتا للعاشقين! حيهم بائس، وميتهم مَنسي، وحديثهم ضائع. يا رحمتا للعاشقين! لا يقام لشهيدهم قبر، وإن أقيم له لم يقف عليه أحد ولم يُحفَظ له تاريخ.

ويا ضيعة هذا الكنز الأدبي العظيم، هذه الدنيا من العواطف التي لم يبقَ منها إلا ما أودع ديوان «العتابا»، فمن يُعنى بجمع هذا الديوان ونشره في كتاب؟ ألم تعلموا بعد أن في هذه «العتابا» من الصور والمعاني ما لا يملك بعضه غزل شعراء العرب كلهم مجتمعاً؟ فمن يهتم به؟ ومتى يأخذ الشعراء هذه الصور والمعاني فيودعونها الشعر الفصيح؟

* * *

وبعد، فيا أهل بيروت: إذا جزتم بهذا القبر التائه فقفوا عليه كما تقفون على قبر الجندي المجهول، وقدّروا فيه المحبة كما تقدرون هنالك البغض، وكرموا فيه الحياة، فالحياة حب والحب حياة، واجعلوه تمثال العاطفة، فالعاطفة فوق العقل، والإنسان

<<  <   >  >>