للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خصمه ليحكم عليه.

وتائبة تجول في الطرقات الخالية مع الكلاب، ولا تجد من يَمُنّ عليها بكسرة خبز إلا إن دفعت ثمنها من جسدها لأنها زانية ملعونة لا تُقبَل لها توبة، والذي أفسدها وأغواها يتصدر المجالس، لا يذكر الناس خطيئته التي استزلّه الشيطانُ إليها في شبابه لأنه تاب منها، ومن تاب تاب الله عليه!

وكم من أديب، أديب حقاً، قد طاعت له عَصِيّات الكَّلِم وذلَّت له العوالي من قطوف البلاغة، قد انزوى في خُصِّه لا يدري به أحد، ودعيٌّ جاهل، لصُّ معانٍ وصفّاف كلمات، قد جُمع له المجد الأدبي من أطرافه فكان له الاسم السائر والمال الوافر.

ومُتَمَشْيِخ قد لبس مُسوح الزهّاد واتّزر بإزار الصالحين، قد عرّض لحيته وكوّر عمامته وأدلى عذبته وطوّل سبحته، ودعا الناس إلى الزهد في الدنيا ونبذ الأموال ورمي النقود في الطرقات لأنها وسخ الدنيا، فلما أطاعوه ورموها خالفهم إليها فالتقطها!

وكم من أزواج قد باتوا في الفراش مع نساء لا يفضلن زوجاتهم في جمال ولا كمال، ولكنه شرع إبليس لا لذة فيه إلا مع الحرام. وكم من نساء تركن أزواجهن وارتمين في أحضان الملاعين من لصوص الأعراض!

كم تحت هذه السقوف من شاعر يعتقد الناس أنه خُلق روحاً بلا جسم، وأنه يتغذى بالحب ويأكل العواطف، قد أغلق عليه بابه وطفق يعدّ نقوده التي يستوحيها الخيال ويستلهمها الشعر، فلما رآها قليلة لا تزال انصرف إلى نظم قصيدة جديدة يستدرّ بها المال.

<<  <   >  >>