ونصير للفضيلة، سخّر صحيفته لها ووقفها عليها، قد هرب من بيته وانصرف في تلك الساعة إلى عشيقته ليقرأ عليها مقالته الجديدة في ذم العشق وامتداح الوفاء الزوجي.
وفلاح عاكف على لَبَنه يخلطه بالماء، وكلما صبّ فيه شيئاً نظر إليه وذاقه، فلما اطمأن إلى أنه لم يعد يحتمل زيادة جعل يفكر في أيمان جديدة يحلف بها غداً على أن اللبن خالص لم يمسه الماء!
وباتت عشرون ألف فتاة ينتظرْنَ الزواج، وبات عشرون ألف فتى ينتظرون الزواج، وما حال بين الطائفتين إلا غلاء المهور وكثرة التكاليف، وسخف الآباء الذين يحسبون بناتهم دوابّ تباع في سوق البقر فهم يشتطون بأثمانها، والذين لا يمتثلون أوامر الشرع فيُروا البنت للخاطب الكفء ويطلقونهنّ في الطرقات متبرجات سافرات، فيراهن الفاسق والصالح وكل ذي عينين، حتى الحمار!
وباتت الخمّارات مفتَّحة الأبواب مزدحمة بالطلاب، وبات المسجد مغلقاً قد قام خطيبه بالواجب عليه، فخطب في ذم الخمر وألقى فيه درساً، وانصرف لينام مطمئناً بعد ما أنكر المنكر وأمر بالمعروف.
وكان النواب لا يزالون مجتمعين يتباحثون، وقد ملّ البوّابُ ونعس، ولكنه بقي قائماً يعلل النفس بأن البرلمان سيأتيه بقماش رخيص، وسيكسر رجل صاحب الدار إن جاء يطلب الأجرة ويسقط ديونه كلها، وتخيّل الديون ساقطة فأغمض عينيه مرتاحاً ونام.