للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دَلَّ ذلك على أن القضاء يَتْبَعُ الحِجاجَ وقوَّة اللَّحَنِ بها، فهو - صلى الله عليه وسلم - في هذا المقام مُنشِئ، وفي الفُتيا والرسالةِ مُتَّبِعٌ مُبلِّغٌ، وهو في الحكم أيضاً مُتبعٌ لأمرِ الله تعالى له بأنْ يُنشِئَ الأحكام على وَفْق الحِجَاجِ والأسباب،


= اللفظ الكريم محرَّفاً كثيراً لغرابته، كما وقع فيإ تفسير ابن كثير" ١: ٥٥٠ في تفسير سورة النساء عند قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ...} فقد وقع فيه (يأتي بها انتظاماً في عنقه). وقد استدل به الحافظ ابن كثير لمن قال من علماء الأصول: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان له أن يَحكُم بالإجتهاد.
وإنما أطلتُ في تخريج هذا الحديث، واستوعبتُ رواياته، وذكرت عناوين الأبواب التي أوردها العلماء فيها، لأن هذا الحديث دستور نبوي من دساتير القضاء في الِإسلام، والكتابُ: "الإِحكام" كتابُ قضاء، فمن النافع جداً أن يُذكر فيه هذا الدستور العظيم عند صِدق المناسبة، وأردتُ بذكر عناوين الأبواب - وهي بمثابة شرح وجيز لمضمونه - بيانَ أفهام مُحدثينا وفقهائنا لهذا الحديث وطُرُقِ استنباطِهم، - رَحِمَهُمْ اللهُ تَعَالَى - وجزاهم عن الإسلام خيراً.
فائدة وتتمة، تتعلَّقُ بسِياقَة حديثِ أم سَلَمَة حيث أدخلتُ بعضَ رواياتِهِ في بعض، وذلك جائز:
قال الحافظ ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في "اختصار علوم الحديث" ص ١٦٤، في فروع (النوع السادس والعشرين): "فَرْعٌ آخرَ: إذا رَوَى الحديثَ عن شيخينِ فأكثَر، وبين ألفاظِهم تبايُن، فإن ركَبَ السِّيَاقَ من الجميع، كما فَعَل الزهريُّ في حديثِ الإِفك، حين رواه عن سعيدِ بن المسيب وعُرْوَةَ وغيرِهما عن عائشة، وقال: كل قد حدَّثني طائفةَ من الحديث، فدَخَلَ حديثُ بعضِهم في بعض، وساقَهُ بتمامِهِ: فهذا سائغ، فإن الأئمةَ تلقوْهُ عنه بالقبول، وخرَّجوه في كتبهم الصِّحاحِ وغيرِها.
وللراوي أن يُبينَ كل واحدِ منها عن الأخرى، ويذكُرَ ما فيها من زيادة أو نقصان ... ، وهذا مما يُعنى به مسلم في "صحيحه"، وأما البخاري فلا يُعرِّجُ عليه، ولا يلتفِتُ إليه إلا نادراً". انتهى باخصار. ونحوُهُ في "تدريب الراوي" للحافظ السيوطي ص ٣٣٠ - ٣٣١، في آخر فروع (النوع السادس والعشرين).

<<  <   >  >>