للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا أنه مُتَّبعٌ في نَقْلِ ذلك الحكمِ عن الله تعالى، لأنَّ ما فُوِّضَ إِليه من الله تعالى لا يكون منقولاً عن الله تعالى.

ثم الفَرْقُ من وجه آخر بين الحكم والفُتيا: أن الفُتيا تَقْبَلُ النَّسْخ، والحكمُ لا يقبلُهُ، بل يقبلُ النقضَ عند ظهور بطلان ما رتِّبَ عليه الحكم، والفُتيا لا تَقْبلُه، فصار مِن خصائص الحكم: النقضُ، ومن خصائص الفُتيا: النَّسخُ.

وهذا في فُتياه - عليه السلام - خاصّةً ومَنْ كان في زمانه. وأمّا الفتيا (١) بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - فلا تَقبل النسخ لتقرُّر الشريعة. فهذا أيضاً فَرقٌ حسن بين القضاء والفُتيا من حيث الجملةُ في جنسيهما، غير أنه لا يتَقرُّرُ في كل فردٍ من أفراد الفُتيا، ومتى ثَبَت الفرقُ بين الجنسين حصَلَ الفرقُ بين الحقيقتين فلا لَبْس.

وأما الرِّسَالةُ من حيث هي رسالة فقد لا تَقبلُ النسخ، بأن تكون خبراً صِرْفاً. فإنه تقبل التخصيص دون النسخ على الصحيح من أقوال العلماء، وقد تَقبَلُه إِن كانَتْ متضمِّنةً لحكم شرعي. فصارت الرسالةُ أعمَّ من الفُتيا ومُبايِنةً لها. فظهرت الفروق بين الرسالة والفتيا والحكم.

وأما النبوَّة فكثيرٌ من الناس مَنْ يَعتقدُ أنها عبارةٌ عن مجرَّدِ الوحي من الله تعالى للنبي، وليس كذلك، بل قد يَحصُلُ الوحيُ من الله تعالى لبعض الخلق من غير نبوّة، كما كان الوحيُ يأتي مريمَ ابنةَ عمران رضي الله عنها في قصه عيسى - عليه السلام -، وقال لها جبريل - عليه السلام -: {إِنما أنا رَسُولُ رَبّك ليَهَبَ (٢) لكِ غُلاماً زكيَّاً} (٣). وقال في موضع آخر: {إِن الله


(١) في نسخة (ر): (وأما القضاء ...).
(٢) هذه قراءة نافع.
(٣) من سورة مريم، الآية ١٩.

<<  <   >  >>