للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعنى لا يَستلزم أنه فُوِّضَ إِليه السياسةُ العامة، فكم من رُسُلٍ للَّهِ تعالى على وجهِ الدهرِ قد بُعثوا بالرسائل الربانيَّة، ولم يُطلَب منهم غيرُ التبليغ لِإقامة الحُجَّةِ على الخَلْق، من غير أن يُؤمَروا بالنظر في المصالح العامة.

وإِذا ظهر الفرقُ بين الِإمامة والرسالةِ فأولَى أن يَظهر بينها وبين النبوَّة، لأنَّ النبوَّة خاصةٌ بالموحَى إليه لا تعلقَ لها بالغير، فقد ظهَر افتراقُ هذه الحقائق بخصائصها (١).


(١) هذا، وليس من هذه التصرفات جميعاً ما قاله - صلى الله عليه وسلم - في ترك تأبير النخل، وإنما هو من أمور الدنيا فحسْب، ولذلك فوضه إلى العالِمين به قائلاَ لهم: "أنتم أعلمُ بأمْرِ دنياكم".
روى مسلم في "صحيحه" ١١٦:١٥ - ١١٧، في كتاب الفضائل، في (باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره عيَنِ من مَعَايِشِ الدنيا على سبيلِ الرأي): "عن موسى بن طلحة، عن أبيه قال: مررتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقومِ على رُؤُوسِ النَّخْل، فقال: ما يَصنعُ هؤلاء؟ فقالوا: يُلقِّحونَهُ يجعلون الذكَرَ في الأنثى فتَلْقح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أظنُّ يُغني ذلك شيئاً، قال: فأخبِروا بذلك فتركوه، - فخرج شِيْصَاً، أي رديئاً ضعيفاً - فأخبِرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال: إن كان يَنفعُهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظَنَنْتُ ظناً، فلا تؤاخذوني بالظنّ، ولكنْ إذا حدَّثتكم عن الله شيئاً فخُذُوا به، فإني لن أكذِبَ على الله - عَزَّ وَجَلَّ - ".
وجاء بعدها في روايةِ رافع بن خَدِيج: "قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً، فتركوه فنفَضَتْ - أي أَسْقَطَتْ النخلُ ثَمرَها -، قال: فذكروا ذلك له فقال: إنما أنا بَشَر، إذا أمرتكم بشيء من دِينِكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بَشَر". وفي روايةِ عائشة وأنسِ: "قال: أنتم أعلَمُ بأمْرِ دنياكم".
قال النووي في "شرح صحيح مسلم" تحت عنوان هذا الباب الذي بوَّبه على الحديث المذكور ١١٦:١٥ "قال العلماء: قولُه - صلى الله عليه وسلم - (من رأيي) أي في أمرِ الدنيا ومَعَايِشِها، لا على التشريع. فأمَّا ما قاله باجتهاده - صلى الله عليه وسلم - ورآه شرعاً يجبُ العمل به. وليس =

<<  <   >  >>