وقال المناوي في "فيض القدير" ٣: ٥١ "قال بعض العلماء: تبين من قوله - صلى الله عليه وسلم -: أنتم أعلم بأمر دنياكم" أن الأنبياء وإن كانوا أحذَقَ الناس في أمرِ الوحي والدعاءِ إلى الله تعالى، فهم أسْذَجُ الناس قلوباً من جهة أحوال الدنيا، فجميعُ ما يَشرعونه إنما يكون بالوحي، وليس للأفكارِ عَليهم سُلطان". انتهى. قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" ص ٢٣٨ و ٢: ٣١٣، "وأجمعوا على أنه يجوزُ للأنبياءِ صلواتُ الله عليهم الإجتهادُ فيما يتعلقُ بمصالح الدنيا وتدبيرِ الحروب ونحوِها، حكَى هذا الإِجماعَ سُلَيم الرازي وابنُ حزم. وذلك وقَعَ من نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ومنه ما كان قد عَزَم عليه من تركِ تلقيح ثمار المدينة". ومن لوازم أحكام الإجتهاد جوازُ المخالفة، إذ لا قَطْعَ بأن ما يكونُ اجتهاداً هو حُكمُ الله تعالى في تلك المسألة، لكونِ الاجتهادِ مُحتمِلاً للإصابةِ ومُحتمِلاً للخطأ. كيف وقد صرح - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "وإذا أمرتكم بشيءٍ من رأيي فإنما أنا بَشَر". ومن اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في تدبير الحروب: ما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بَدْر، إذ نَزَل على أدنى ماءٍ من مِياهِ بَدْر إلى المدينة، فقال له الحُبَابُ بن المُنْذِر: يا رسول الله، أهذا مَنْزِلٌ أنزلكَهُ اللهُ، ليس لنا أن نتقدَّمَه ولا نتأخَّرَ عنه؟ أم هو الرأيُ والحَرْبُ والمَكِيدة؟ فقال: بل هو الرأيُ والحَرْبُ والمكيدة. فقال: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهَضْ بنا حتى نأتيَ أدنَى ماء من القومِ فنَنْزِلَه، ونُغَوِّرَ ما وراءه من القُلُب - أي الآبار -، ثم نبنيَ عليه حَوْضاً فنملأه، فنَشرَبُ ولا يشربون. فاستحسَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الرأي وفعَلَه. كما في "البداية والنهاية" لإبن كثير ٣: ٢٦٧، وغيرِها.