قلت: وقد بيَّن الحافظ ابن حجر سبَبَ كلامهم فيه فقال في "تقريب التهذيب" في (يحيى): (صَدُوق، لينَّه بعضهم لكونه حدَّث من غير أصله". فجَرْحُه خفيف لا يقتضي تركَ حديثه. ٥ - وعن رجل من الصحابة راوه أبو داود في "سننه" ٣: ٢٩٠، والإِمام أحمد في "المسند" ٣: ٤١٤. قال الشوكاني في "نيل الأوطار" ٥: ٢٥٢ "في إسناده مجهول آخر غير الصحابي، لأن يوسف بن ماهَك رواه عن فلان آخر. وقد صححهُ ابنُ السَّكَن. وقال ابن الجوزي: لا يصحُّ من جميع طرقه. وقال أحمد: هذا حديث باطل، لا أعرفه من وجه يصح". انتهى كلام الشوكاني. قلت: لعل الإِمام أحمد قال ذلك قبلَ أن يَثبت هذا الحديثُ عنده؟ وإلَّا لو كان من كل وجوهه باطلاً لما استساغ أن يرويه ويُثبته في كتابهإ المسند" الذي ارتضاه أن يكون للناس إماماً، فالحديثُ عنده - على أقل تقدير - ثابت. ويشهد لثبوته عنده أيضاً استدلالُه به في مواضع، كما ذكره أبو الحسن ابن اللحام الحنبلي في آخر كتابه" القواعد والفوائد الأصولية) ص ٣٥٨ - ٣١٠ في (مسألة الظَّفَر) المبحوث فيها هنا. وهذا ملخَّصُ ما قاله فيها: "مسألة الظَّفَر، اختلف العلماء فيها، فمنهم من قال بعدم الجواز بكل حال، وهو قولُ مجاهدٍ ... وأحمد، واحتَجَّ أحمدُ في مواضع بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أدِّ الأمانة إلى من ائتَمَنك، ولا تخُنْ من خانك". واستدلالُه بالحديث يدل على ثبوته، ولهذا جعله القاضي أبو يعلى روايةً عنه بثبوتِ الحديث، وهو يُخالِفُ روايةَ مُهَنَّا عنه بإنكاره". انتهى كلامُ ابن اللَّحام. فيكون في هذا الحديث عن أحمد روايتان، وآخِرُ الروايتين ثبوتُ الحديث بدليل إيرادِ أحمد له في "المسند" واستدلالِهِ به في مواضع كما سبقَتْ العبارةُ بذلك، والله أعلم. ولهذا قال الشوكاني عقِبَ نقلِهِ كلامَ ابن الجوزي وأحمد: "ولا يخفى أنَّ ورود =