(٢) هو القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليَحْصُبي السَّبْتي المالكي، المحدِّثُ الفقيه الأصولي المتكلِّم المقرئ المؤرّخ الأديب اللغوي النحوي النسَّابة، الورع العابد الناسك التَّلَّاء للقرآن، الشَّيخُ الرُحْلة الإِمام، قاضي الأئمة وشيخ الإِسلام، وقدوة العلماء والصلحاء الأعلام، الشائعُ الصيت في كلِّ قطر ومصر، حاملُ لواء المنثور والمنظوم، مع الإِمامة الفذة في جملة من العلوم، شُهرتُه تغني عن التعريف به، بل لقد قيل - على ما في المَغْرِبِ من أفاضِل الأئمةِ في كلِّ جِيْل -: "لولا عِيَاضْ لما ذُكِرَ المغرب". وُلِدَ في بلدة سَبْتَة من المغرب الأقصى، ونشأ فيها وأخذ العلم عن شيوخها وعلمائها، ثم رحل إلى الأندلس ورجع إلى بلده بعلم غزير، وفضل وفير، وتولَّى قضاءها ثم قضاءَ غَرْناطة، فكان صُلْباً فيه لا تأخذه في الله لومةُ لائم. وكان على صلابته في الحق محبوباً من الخاصة والعامة، وعلى غاية من الإِجلال والإكبار والهيبة والوقار عند الأمراء والولاة، وكان إلى هذا ليِّنَ الجانب، جَمَّ التواضع لطلبة العلم والناس، سمحًا كريمًا عليهم بمالِهِ وعلمِه، حتى مات وعليه خمسُ مِئةِ دينار. ألَّف التواليف الكثيرة النافعة الفريدة الأصيلة، وقد أربت على ثلاثين مؤلَّفاً. ومن أشهر كتبه كتابُ "الشِّفا بتعريف حقوق المصطفى" - صلى الله عليه وسلم -، وقد شرَّقَت شُهرتُه وغربتْ، ولا يزال يَحتل مكانتَه الأصيلة على مرّ السنين وتعاقُبِ التأليف. وكتابُ "إكمال المُعْلِم بفوائد مُسْلم" كفَل به شرحَ المازِرِي على "صحيح مسلم" المسمَّى "المُعْلِم بفوائد مسلم". وكتابُ "مشارق الأنوار على صِحاح الآثار" في تفسير غريب "الموطأ" و "الصحيحين" وضَبْطَ أسماءِ الرجال والأماكن. وقد قيل فيه: "لو كُتِبَ بالذهب، ووُزِنَ بالجوهر لكان قليلًا في حقه". وكتابُ "التنبيهات المستنبطة، على الكتب المدوَّنة والمختلِطَة" في عشرة أجزاء، =