للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ذهنِهِ وتوقدِ ذكائه.
تلقى العلم عن أئمة العلم في القيروان، ثم رحل إلى تونس من المشرق، فلقي الأئمة الكبار كابن القاسم وغيره من أصحاب مالك وغيرهم فأخذ عنهم، ثم عاد إلى بلده بعلم غزير. وكان يقول: قبَحَ الله الفقر! أدرَكْنا مالكاً، وقرأنا على ابنِ القاسم. يعني أن الفقرَ منعه أن يرحل إلى مالك في المدينة. وانتهت إليه الرئاسة في العلم، ورحل الناس إليه من المشرق والمغرب، وعُدَّ لقاؤه والأخذُ عنه من المِنَح الربانيَّة. وقد أَخَذ العلمَ عنه خلائقُ لا يُحصَوْن كثرةً.
كان فقيهَ البَدَن، والعلمُ في صدره كسُورةِ أُمِّ القرآن حفظاً. حتى قيل: لم يكن بين مالك وسُحنون أفقهُ من سُحنون. صنَف "المدوَّنة"، وعليها اعتمادُ أهل القيروان، وعنه انتشر علمُ مالك بالمغرب. وقد فصل القاضي ابنُ خَلكان كيفية تاليفه "المدوّنة" في كتابه "وفَيَّات الأعيان" ٣: ١٨١، فقال - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -:
وصنَّف كتاب "المدوَّنة" في مذهب الإِمام مالك - رضي الله عنه -: وأخذها عن ابن القاسم.
وكان أوَّلَ من شَرَع في تصنيف "المدوَّنة" أسَدُ بن الفُرَات، الفقيهُ المالكي بعدَ رجوعه من العراق. وأصلُها أسئلةٌ سأل عنها ابن القاسم فأجابه عنها، وجاء بها أسَدٌ إلى القيروان، وكتبها عنه سحنون، وكانت تُسمَّى: الأَسَدِيَّة.
ثم رَحَل بها سحنون إلى ابن القاسم في سنة ثمان وثمانين ومئة، فعَرَضها - أي قرأها - عليه، وأَصلحَ فيها مسائل، ورَجَع بها إلى القيروان في سنة إحدى وتسعين ومئة، وهي في التأليف على ما جمعه أَسَدُ بن الفُرَات أولًا، غيرَ مرتبةِ المسائل، ولا مرسمَةِ التراجم، فرتَب سحنون أكثرَها، وبوَبَهُ على ترتيب التصانيف، واحتَج لبعض مسائلها بالآثار" من روايته من "موطأ ابن وهب" وغيرِه، وبقِيَتْ منها بقية لم يُتمم فيها سحنون هذا العملَ المذكور. ذَكَرَ هذا كله القاضي عياض وغيرُه". انتهى.
ثم ذكر ابن خلكان رواية ثانية في شأن تأليف "المدوَّنة"، منسوبة إلى تأليف ابن القاسم، من طريقِ مبهم، وتبدو عليها آثار الصنعة والتركيب! فلا يُعَوَّلُ عليها، =

<<  <   >  >>